صفحة جزء
باب أكل الجراد

5176 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي يعفور قال سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما قال غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستا كنا نأكل معه الجراد قال سفيان وأبو عوانة وإسرائيل عن أبي يعفور عن ابن أبي أوفى سبع غزوات
قوله ( باب أكل الجراد ) بفتح الجيم وتخفيف الراء معروف والواحدة جرادة والذكر والأنثى سواء كالحمامة [ ص: 536 ] ويقال إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده ، وخلقة الجراد عجيبة فيها عشرة من الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله : لها فخـذا بكـر وســاقا نعامة وقادمتا نسـر وجؤجـؤ ضيـغم حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت عليها جياد الخيل بالـرأس والفـم قيل وفاته عين الفيل وعنق الثور وقرن الأيل وذنب الحية . وهو صنفان طيار ووثاب ، ويبيض في الصخر فيتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع إلا اجتاحه ، وقيل >[1] واختلف في أصله فقيل إنه نثرة حوت فلذلك كان أكله بغير ذكاة ، وهذا ورد في حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه عن أنس رفعه إن الجراد نثرة حوت من البحر ومن حديث أبى هريرة " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد ، فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا ، فقال : كلوه فإنه من صيد البحر " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وسنده ضعيف ، ولو صح لكان فيه حجة لمن قال لا جزاء فيه إذا قتله المحرم ، وجمهور العلماء على خلافه ، قال ابن المنذر : لم يقل لا جزاء فيه غير أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير ، واختلف عن كعب الأحبار ، وإذا ثبت فيه الجزاء دل على أنه بري .

وقد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته . واختلفوا في صفتها فقيل بقطع رأسه وقيل إن وقع في قدر أو نار حل ، وقال ابن وهب أخذه ذكاته ، ووافق مطرف منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاته لحديث ابن عمر " أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد والكبد والطحال " أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعا وقال إن الموقوف أصح ، ورجح البيهقي أيضا الموقوف إلا أنه قال إن له حكم الرفع .

قوله ( عن أبي يعفور ) بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء هو العبدي ، واسمه وقدان وقيل واقد ، وقال مسلم اسمه واقد ولقبه وقدان ، وهو الأكبر ، وأبو يعفور الأصغر اسمه عبد الرحمن بن عبيد ، وكلاهما ثقة من أهل الكوفة ، وليس للأكبر في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الصلاة في أبواب الركوع من صفة الصلاة ، وقد ذكرت كلام النووي فيه وجزمه بأنه الأصغر وأن الصواب أنه الأكبر ، وبذلك جزم الكلاباذي وغيره والنووي تبع في ذلك ابن العربي وغيره والذي يرجح كلام الكلاباذي جزم الترمذي بعد تخريجه بأن راوي حديث الجراد هو الذي اسمه واقد ويقال وقدان وهذا هـو الأكبر ، ويؤيده أيضا أن ابن أبي حاتم جزم في ترجمة الأصغر بأنه لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى .

قوله ( سبع غزوات أو ستا ) كذا للأكثر ولا إشكال فيه ، ووقع في رواية النسفي " أو ست " بغير تنوين ، ووقع في " توضيح ابن مالك ، سبع غزوات أو ثماني " وتكلم عليه فقال : الأجود أن يقال سبع غزوات أو ثمانية بالتنوين لأن لفظ ثمان وإن كان كلفظ جوار في أن ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثمانية ليس بجمع واللفظ بهما في الرفع والجر سواء ، ولكن تنوين ثمان تنوين صرف وتنوين جوار تنوين عوض ، وإنما يفترقان بالنصب . واستمر يتكلم على ذلك ثم قال : وفي ذكره له بلا تنوين ثلاثة أوجه أجودها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف ، ومثله قول الشاعر

خمس ذود أو ست عوضت منها

البيت . الوجه الثاني أن يكون المنصوب كتب بغير ألف على لغة ربيعة ، وذكر وجها آخر يختص . [ ص: 537 ] بالثمان ، ولم أره في شيء من طرق الحديث لا في البخاري ولا في غيره بلفظ ثمان ، فما أدري كيف وقع هذا . وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة ، وقد أخرجه مسلم من رواية شعبة بالشك أيضا ; والنسائي من روايته بلفظ الست من غير شك ، والترمذي من طريق غندر عن شعبة فقال " غزوات " ولم يذكر عددا .

قوله ( وكنا نأكل معه الجراد ) يحتمل أن يريد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد ، ويحتمل أن يريد مع أكله ، ويدل على الثاني أنه وقع في رواية أبي نعيم في الطب " ويأكل معنا " وهذا إن صح يرد على الصيمري من الشافعية في زعمه أنه صلى الله عليه وسلم عافه كما عاف الضب . ثم وقفت على مستند الصيمري وهو ما أخرجه أبو داود من حديث سلمان سئل صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال : لا آكله ولا أحرمه والصواب مرسل ، ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال : لا آكله ولا أحرمه ، وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك وهذا ليس ثابتا لأن ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة ، ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد ، لكن فصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في جراد الأندلس : لا يؤكل لأنه ضرر محض . وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه والله أعلم .

قوله ( وقال سفيان ) هو الثوري وقد وصله الدارمي عن محمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري ولفظه " غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد " وكذا أخرجه الترمذي من وجه آخر عن الثوري وأفاد أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث أيضا عن أبي يعفور لكن قال " ست غزوات " .

قلت : وكذا أخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عيينة جازما بالست ، وقال الترمذي : كذا قال ابن عيينة ست وقال غيره سبع . قلت : ودلت رواية شعبة على أن شيخهم كان يشك فيحمل على أنه جزم مرة بالسبع ثم لما طرأ عليه الشك صار يجزم بالست لأنه المتيقن ، ويؤيد هذا الحمل أن سماع سفيان بن عيينة عنه متأخر دون الثوري ومن ذكر معه ، ولكن وقع عند ابن حبان من رواية أبي الوليد شيخ البخاري فيه " سبعا أو ستا ، يشك شعبة " .

قوله ( وأبو عوانة ) وصله مسلم عن أبي كامل عنه ولفظه مثل الثوري ، وذكره البزار من رواية يحيى بن حماد عن أبي عوانة فقال مرة عن أبي يعفور ومرة عن الشيباني ، وأشار إلى ترجيح كونه عن أبي يعفور ، وهو كذلك كما تقدم صريحا أنه عند أبي داود .

قوله ( وإسرائيل ) وصله الطبراني من طريق عبد الله بن رجاء عنه ولفظه " سبع غزوات فكنا نأكل معه الجراد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية