صفحة جزء
باب النحر والذبح وقال ابن جريج عن عطاء لا ذبح ولا منحر إلا في المذبح والمنحر قلت أيجزي ما يذبح أن أنحره قال نعم ذكر الله ذبح البقرة فإن ذبحت شيئا ينحر جاز والنحر أحب إلي والذبح قطع الأوداج قلت فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع قال لا إخال وأخبرني نافع أن ابن عمر نهى عن النخع يقول يقطع ما دون العظم ثم يدع حتى تموت وقول الله تعالى وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وقال فذبحوها وما كادوا يفعلون وقال سعيد عن ابن عباس الذكاة في الحلق واللبة وقال ابن عمر وابن عباس وأنس إذا قطع الرأس فلا بأس

5191 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة قال أخبرتني فاطمة بنت المنذر امرأتي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت نحرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه
قوله ( باب النحر والذبح ) في رواية أبي ذر " والذبائح " بصيغة الجمع ، وكأنه جمع باعتبار أنه الأكثر فالنحر في الإبل خاصة ، وأما غير الإبل فيذبح ، وقد جاءت أحاديث في ذبح الإبل وفي نحر غيرها . وقال ابن التين الأصل في الإبل النحر ، وفي الشاة ونحوها الذبح ، وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها ، واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح فأجازه الجمهور ومنع ابن القاسم .

قوله ( وقال ابن جريج عن عطاء إلخ ) وصله عبد الرزاق عن ابن جريج مقطعا ، وقوله والذبح قطع الأوداج جمع ودج بفتح الدال المهملة والجيم وهو العرق الذي في الأخدع ، وهما عرقان متقابلان ، قيل ليس لكل بهيمة غير ودجين فقط وهما محيطان بالحلقوم ، ففي الإتيان بصيغة الجمع نظر ، ويمكن أن يكون أضاف كل ودجين إلى [ ص: 557 ] الأنواع كلها ، هكذا اقتصر عليه بعض الشراح ، وبقي وجه آخر وهو أنه أطلق على ما يقطع في العادة ودجا تغليبا ، فقد قال أكثر الحنفية في كتبهم : إذا قطع من الأوداج الأربعة ثلاثة حصلت التذكية ، وهما الحلقوم والمريء وعرقان من كل جانب ، وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن : إذا قطع الحلقوم والمريء وأكثر من نصف الأوداج أجزأ ، فإن قطع أقل فلا خير فيها . وقال الشافعي يكفي ولو لم يقطع من الودجين شيئا ، لأنهما قد يسلان من الإنسان وغيره فيعيش . وعن الثوري إن قطع الودجين أجزأ ولو لم يقطع الحلقوم والمريء ، وعن مالك والليث يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط ، واحتج له بما في حديث رافع " ما أنهر الدم " وإنهاره إجراؤه ، وذلك يكون بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم ، وأما المريء فهو مجرى الطعام وليس به من الدم ما يحصل به إنهار ، كذا قال .

وقوله " فأخبرني نافع " القائل هو ابن جريج ، وقوله " النخع " بفتح النون وسكون الخاء المعجمة فسره في الخبر بأنه قطع ما دون العظم ، والنخاع عرق أبيض في فقار الظهر إلى القلب ، يقال له خيط الرقبة . وقال الشافعي : النخع أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح ، أو تضرب ليعجل قطع حركتها . وأخرج أبو عبيد في " الغريب " عن عمر أنه نهى عن الفرس في الذبيحة ، ثم حكى عن أبي عبيدة أن الفرس هو النخع ، يقال فرست الشاة ونخعتها ، وذلك أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة ، قال : ويقال أيضا هـو الذي يكون في فقار الصلب شبيه بالمخ وهو متصل بالقفا ، نهى أن ينتهى بالذبح إلى ذلك . قال أبو عبيد أما النخع فهو على ما قال ، وأما الفرس فيقال هو الكسر ، وإنما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد . ويبين ذلك أن في الحديث " ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق " قلت يعني في حديث عمر المذكور ، وكذا ذكره الشافعي عن عمر .

قوله وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة إلى فذبحوها وما كادوا يفعلون زاد في رواية كريمة " وقول الله تعالى : وإذ قال موسى لقومه وهذا من تمام الترجمة ، وأراد أن يفسر به قول ابن جريج في الأثر المذكور ذكر الله ذبح البقرة ، وفي هذا إشارة منه إلى اختصاص البقر بالذبح ، وقد روى شيخه إسماعيل بن أبي أويس عن مالك " من نحر البقر فبئس ما صنع . ثم تلا هـذه الآية " وعن أشهب إن ذبح بعيرا من غير ضرورة لم يؤكل .

قوله ( وقال سعيد عن ابن عباس : الذكاة في الحلق واللبة ) وصله سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الذكاة في الحلق واللبة ، وهذا إسناد صحيح ، وأخرجه سفيان الثوري في جامعه عن عمر مثله ، وجاء مرفوعا من وجه واه . واللبة بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر وهي المنحر ، وكأن المصنف لمح بضعف الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من رواية حماد بن سلمة عن أبي المعشر الدارمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ، قال لو طعنت في فخذها لأجزأك لكن من قواه حمله على الوحش والمتوحش .

قوله ( وقال ابن عمر وابن عباس وأنس : إذا قطع الرأس فلا بأس ) أما أثر ابن عمر فوصله أبو موسى الزمن من رواية أبي مجلز " سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها ، فأمر ابن عمر بأكلها " وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح " أن ابن عباس سئل عمن ذبح دجاجة فطير رأسها فقال ذكاة وحية بفتح الواو وكسر الحاء المهملة بعدها تحتانية ثقيلة أي سريعة ، منسوبة إلى الوحاء وهو الإسراع والعجلة . وأما أثر أنس [ ص: 558 ] فوصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس " أن جزارا لأنس ذبح دجاجة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رأسها ، فأرادوا طرحها ، فأمرهم أنس بأكلها .

ثم ذكر المصنف في الباب حديث أسماء بنت أبي بكر في أكل الفرس ، أورده من رواية سفيان الثوري ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولا بلفظ " نحرنا " وقال في آخره " تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النحر " ، وأورده أيضا من رواية عبدة وهو ابن سليمان عن هشام بلفظ " ذبحنا " ورواية ابن عيينة التي أشار إليها ستأتي موصولة بعد بابين من رواية الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال " نحرنا " . ورواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ " نحرنا " ، وأخرجها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير " حدثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن هشام " بلفظ " نحرنا " ، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والثوري جميعا عن هشام بلفظ " نحرنا " وقال الإسماعيلي : قال همام وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر عن هشام بلفظ " نحرنا " .

واختلف على حماد بن زيد وابن عيينة فقال أكثر أصحابهما " نحرنا " وقال بعضهم " ذبحنا " ، وأخرجه الدارقطني من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري ووهيب بن خالد ومن رواية ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومن رواية يحيى القطان كلهم عن هشام بلفظ " ذبحنا " ومن رواية أبي معاوية عن هشام " انتحرنا " وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية وأبي أسامة ولم يسق لفظه ، وساقه أبو عوانة عنهما بلفظ " نحرنا " وهذا الاختلاف كله عن هشام ، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ - " ذبحنا " وتارة بلفظ " نحرنا " ، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى ، وأن النحر يطلق عليه ذبح والذبح يطلق عليه نحر ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هـو الحقيقة في ذلك من المجاز إلا إن رجح أحد الطريقين ، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله بعض الشراح فبعيد ، لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرتين ، والأصل عدم التعدد مع اتحاد المخرج ، وقد جرى النووي على عادته في الحمل على التعدد فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة في قولها نحرنا وذبحنا : يجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان ، فمرة نحروها ومرة ذبحوها : ثم قال : ويجوز أن تكون قصة واحدة وأحد اللفظين مجاز والأول أصح ، كذا قال والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية