صفحة جزء
باب الأرنب

5215 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس رضي الله عنه قال أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها فبعث بوركيها أو قال بفخذيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها
قوله ( باب الأرنب ) هو دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول بخلاف يديها ، والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ، ويقال للذكر أيضا الخزز وزن عمر بمعجمات ، وللأنثى عكرشة ، وللصغير خرنق بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف ، هذا هـو المشهور . وقال الجاحظ : لا يقال أرنب إلا للأنثى ، ويقال إن الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق وأنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وأنها تحيض ، وسأذكر من خرجه ، ويقال إنها تنام مفتوحة العين .

قوله ( أنفجنا ) بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا ، وفي رواية مسلم " استنفجنا " وهو استفعال منه ، يقال نفج الأرنب إذا ثار وعدا ، وانتفج كذلك ، وأنفجته إذا أثرته من موضعه ، ويقال إن الانتفاج الاقشعرار فكأن المعنى جعلناها بطلبنا لها تنتفج ، والانتفاج أيضا ارتفاع الشعر وانتفاشه . ووقع في " شرح مسلم " للمازري " بعجنا " بموحدة وعين مفتوحة ، وفسره بالشق من بعج بطنه إذا شقه ، وتعقبه عياض بأنه تصحيف ، وبأنه لا يصح معناه من سياق الخبر لأن فيه أنهم سعوا في طلبها بعد ذلك ، فلو كان شقوا بطنها كيف كانوا يحتاجون إلى السعي خلفها .

قوله ( بمر الظهران ) مر بفتح الميم وتشديد الراء ، والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية الظهر ، اسم موضع على مرحلة من مكة . وقد يسمى بإحدى الكلمتين تخفيفا ، وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو والصواب مر بتشديد الراء .

[ ص: 579 ] قوله ( فسعى القوم فلغبوا ) بمعجمة وموحدة أي تعبوا وزنه ومعناه ، ووقع بلفظ " تعبوا " في رواية الكشميهني ، وتقدم في الهبة بيان ما وقع للداودي فيه من غلط .

قوله ( فأخذتها ) زاد في الهبة " فأدركتها فأخذتها " ولمسلم " فسعيت حتى أدركتها " ولأبي داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن زيد " وكنت غلاما حزورا " وهو بفتح المهملة والزاي والواو المشددة بعدها راء ويجوز سكون الزاي وتخفيف الواو وهو المراهق .

قوله ( إلى أبي طلحة ) وهو زوج أمه .

قوله ( فذبحها ) زاد في رواية الطيالسي " بمروة " وزاد في رواية حماد المذكورة " فشويتها " .

قوله ( فبعث بوركيها أو قال بفخذيها ) هو شك من الراوي ، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الهبة ، ووقع في رواية حماد " بعجزها " .

قوله ( فقبلها ) أي الهدية ، وتقدم في الهبة من هذا الوجه " قلت وأكل منه ؟ قال : وأكل منه " ثم قال : فقبله ، وللترمذي من طريق أبي داود الطيالسي فيه " فأكله ، قلت : أكله ؟ قال قبله " وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسا على قوله " أكله " فكأنه توقف في الجزم به وجزم بالقبول ، وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة " أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز ، فلما قمت أطعمني " وهذا لو صح لأشعر بأنه أكل منها ، لكن سنده ضعيف .

ووقع في " الهداية " للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الأرنب حين أهدي إليه مشويا وأمر أصحابه بالأكل منه ، وكأنه تلقاه من حديثين : فأوله من حديث الباب وقد ظهر ما فيه ، والآخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه ، فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا " ورجاله ثقات ، إلا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا . وفي الحديث جواز أكل الأرنب وهو قول العلماء كافة إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء ، واحتج بحديث خزيمة بن جزء قلت يا رسول الله ، ما تقول في الأرنب ؟ قال لا آكله ولا أحرمه ، قالت فإني آكل ما لا تحرمه . ولم يا رسول الله ؟ قال نبئت أنها تدمى وسنده ضعيف ، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة كما سيأتي تقريره في الباب الذي بعد ، وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ " جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها " زعم أنها تحيض " أخرجه أبو داود ، وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده ، وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها ، وغلطه النووي في النقل عن أبي حنيفة . وفي الحديث أيضا جواز استثارة الصيد والغدو في طلبه ، وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رفعه " من اتبع الصيد غفل " فهو محمول على من واظب على ذلك حتى يشغله عن غيره من المصالح الدينية وغيرها .

وفيه أن آخذ الصيد يملكه بأخذه ولا يشاركه من استثاره معه . وفيه هدية الصيد وقبولها من الصائد وإهداء الشيء اليسير الكبير القدر إذا علم من حاله الرضا بذلك ، وفيه أن ولي الصبي يتصرف فيما يملكه الصبي بالمصلحة . وفيه استثبات الطالب شيخه عما يقع في حديثه مما يحتمل أنه يضبطه كما وقع لهشام بن زيد مع أنس رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية