صفحة جزء
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك

5236 حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتك شاة لحم فقال يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز قال اذبحها ولن تصلح لغيرك ثم قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمينتابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي وقال عاصم وداود عن الشعبي عندي عناق لبن وقال زبيد وفراس عن الشعبي عندي جذعة وقال أبو الأحوص حدثنا منصور عناق جذعة وقال ابن عون عناق جذع عناق لبن
قوله : ( باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة ضح بالجذع من المعز ، ولن تجزي عن أحد بعدك ) أشار بذلك إلى أن الضمير في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرواية التي ساقها اذبحها للجذعة التي تقدمت في قول الصحابي إن عندي داجنا جذعة من المعز .

قوله : ( حدثنا مطرف ) هو ابن طريف بمهملة وزن عقيل ، وعامر هو الشعبي .

قوله : ( ضحى خال لي يقال له أبو بردة ) في رواية زبيد عن الشعبي في أول الأضاحي " أبو بردة بن نيار " وهو بكسر النون وتخفيف الياء المثناة من تحت وآخره راء واسمه هانئ واسم جده عمرو بن عبيد وهو بلوي من حلفاء الأنصار ، وقد قيل إن اسمه الحارث بن عمرو وقيل مالك بن هبيرة والأول هو الأصح ، وأخرج ابن منده من طريق جابر الجعفي عن الشعبي عن البراء قال كان اسم خالي قليلا فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ، وقال : يا كثير إنما نسكنا بعد صلاتنا ثم ذكر حديث الباب بطوله ، وجابر ضعيف وأبو بردة ممن شهد العقبة وبدرا والمشاهد وعاش إلى سنة اثنتين وقيل خمس وأربعين ، وله في البخاري حديث سيأتي في الحدود .

قوله : ( شاتك شاة لحم ) أي ليست أضحية بل هو لحم ينتفع به كما وقع في رواية زبيد فإنما هو لحم يقدمه لأهله وسيأتي في " باب الذبح بعد الصلاة " وفي رواية فراس عند مسلم قال ذاك شيء عجلته لأهلك وقد استشكلت الإضافة في قوله شاة لحم ، وذلك أن الإضافة قسمان : معنوية ولفظية ، فالمعنوية إما مقدرة بمن كخاتم حديد أو باللام كغلام زيد أو بفي كضرب اليوم معناه ضرب في اليوم . وأما اللفظية فهي صفة مضافة إلى [ ص: 16 ] معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ، ولا يصح شيء من الأقسام الخمسة في شاة لحم ، قال الفاكهي : والذي يظهر لي أن أبا بردة لما اعتقد أن شاته شاة أضحية أوقع - صلى الله عليه وسلم - في الجواب قوله شاة لحم موقع قوله شاة غير أضحية .

قوله : ( إن عندي داجنا ) الداجن التي تألف البيوت وتستأنس وليس لها سن معين ، ولما صار هذا الاسم علما على ما يألف البيوت اضمحل الوصف عنه فاستوى فيه المذكر والمؤنث . والجذعة تقدم بيانها ، وقد بين في هذه الرواية أنها من المعز ، ووقع في الرواية الأخرى كما سيأتي بيانه " فإن عندنا عناقا " وفي رواية أخرى " عناق لبن " والعناق بفتح العين وتخفيف النون الأنثى من ولد المعز عند أهل اللغة ، ولم يصب الداودي في زعمه أن العناق هي التي استحقت أن تحمل وأنها تطلق على الذكر والأنثى وأنه بين بقوله " لبن " أنها أنثى ، قال ابن التين : غلط في نقل اللغة وفي تأويل الحديث ، فإن معنى " عناق لبن " أنها صغيرة سن ترضع أمها . ووقع عند الطبراني من طريق سهل بن أبي حثمة أن أبا بردة ذبح ذبيحته بسحر ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنما الأضحية ما ذبح بعد الصلاة ، اذهب فضح ، فقال : ما عندي إلا جذعة من المعز الحديث . قلت : وسيأتي بيان ذلك عند ذكر التعاليق التي ذكرها المصنف عقب هذه الرواية ، وزاد في رواية أخرى هي أحب إلي من شاتين وفي رواية لمسلم من شاتي لحم والمعنى أنها أطيب لحما وأنفع للآكلين لسمنها ونفاستها ، وقد استشكل هذا بما ذكر أن عتق نفسين أفضل من عتق نفس واحدة ولو كانت أنفس منهما ، وأجيب بالفرق بين الأضحية والعتق أن الأضحية يطلب فيها كثرة اللحم فتكون الواحدة السمينة أولى من الهزيلتين . والعتق يطلب فيه التقرب إلى الله بفك الرقبة فيكون عتق الاثنين أولى من عتق الواحدة ، نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رفعته على غيره - كالعلم وأنواع الفضل المتعدي - فقد جزم بعض المحققين بأنه أولى لعموم نفعه للمسلمين . ووقع في الرواية الأخرى التي في أواخر الباب وهي خير من مسنة وحكى ابن التين عن الداودي أن المسنة التي سقطت أسنانها للبدل ، وقال أهل اللغة المسن الثني الذي يلقي سنه ، ويكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي ذات الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وقال ابن فارس : إذا دخل ولد الشاة في الثالثة فهو ثني ومسن .

قوله ( قال اذبحها ولا تصلح لغيرك ) في رواية فراس الآتية في " باب من ذبح قبل الإمام " : أأذبحها ؟ قال : نعم ، ثم لا تجزي عن أحد بعدك ولمسلم من هذا الوجه ولن تجزي إلخ وكذا في رواية أبي جحيفة عن البراء كما في أواخر هذا الباب ولن تجزي عن أحد بعدك وفي حديث سهل بن أبي حثمة وليست فيها رخصة لأحد بعدك وقوله تجزي بفتح أوله غير مهموز أي تقضي ، يقال جزا عني فلان كذا أي قضى ، ومنه لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا تقضي عنها ، قال ابن بري : الفقهاء يقولون لا تجزئ بالضم والهمز في موضع لا تقضي والصواب بالفتح وترك الهمز ، قال : لكن يجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية ، يقال أجزأ عنك . وقال صاحب " الأساس " : بنو تميم يقولون البدنة تجزي عن سبعة بضم أوله ، وأهل الحجاز تجزي بفتح أوله ، وبهما قرئ لا تجزي نفس عن نفس شيئا وفي هذا تعقب على من نقل الاتفاق على منع ضم أوله . وفي هذا الحديث تخصيص أبي بردة بإجزاء الجذع من المعز في الأضحية ، لكن وقع في عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبي بردة ، ففي حديث عقبة بن عامر كما تقدم قريبا ولا رخصة فيها لأحد بعدك قال البيهقي : إن كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة . قلت : وفي هذا الجمع نظر ، لأن في كل منهما صيغة عموم ، فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني ، وأقرب ما يقال فيه : إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد ، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني ، ولا مانع [ ص: 17 ] ومن ذلك لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحا ، وقد انفصل ابن التين - وتبعه القرطبي - عن هذا الإشكال باحتمال أن يكون العتود كان كبير السن بحيث يجزي ، لكنه قال ذلك بناء على أن الزيادة التي في آخره لم تقع له ، ولا يتم مراده مع وجودها مع مصادمته لقول أهل اللغة في العتود ، وتمسك بعض المتأخرين بكلام ابن التين فضعف الزيادة ، وليس بجيد ، فإنها خارجة من مخرج الصحيح ، فإنها عند البيهقي من طريق عبد الله البوشنجي أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم ، رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري ، ولكني رأيت الحديث في " المتفق للجوزقي " من طريق عبيد بن عبد الواحد ومن طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان كلاهما عن يحيى بن بكير وليست الزيادة فيه ، فهذا هو السر في قول البيهقي إن كانت محفوظة ، فكأنه لما رأى التفرد خشي أن يكون دخل على راويها حديث في حديث ، وقد وقع في كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة ، واستشكل الجمع وليس بمشكل ، فإن الأحاديث التي وردت في ذلك ليس فيها التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي ، وأما عدا ذلك فقد أخرج أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان من حديث زيد بن خالد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه عتودا جذعا فقال ضح به ، فقلت إنه جذع أفأضحي به ؟ قال نعم ضح به ، فضحيت به لفظ أحمد ، وفي صحيح ابن حبان وابن ماجه من طريق عباد بن تميم عن عويمر بن أشقر أنه ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد أضحية أخرى وفي الطبراني الأوسط من حديث ابن عباس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز فأمره أن يضحي به " وأخرجه الحاكم من حديث عائشة وفي سنده ضعف ، ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله هذا جذع من الضأن مهزول وهذا جذع من المعز سمين وهو خيرهما أفأضحي به ؟ قال : ضح به فإن لله الخير وفي سنده ضعف والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة ، لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر ثم قرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزي ، واختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك ، وإنما قلت ذلك لأن بعض الناس زعم أن هؤلاء شاركوا عقبة وأبا بردة في ذلك ، والمشاركة إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير ، ومنهم من زاد فيهم عويمر بن أشقر وليس في حديثه إلا مطلق الإعادة لكونه ذبح قبل الصلاة ، وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي زيد الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من الأنصار : اذبحها ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك فهذا يحمل على أنه أبو بردة بن نيار فإنه من الأنصار ، وكذا ما أخرجه أبو يعلى والطبراني من حديث أبي جحيفة أن رجلا ذبح قبل الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تجزي عنك ، قال إن عندي جذعة ، فقال : تجزي عنك ولا تجزي بعد فلم يثبت الإجزاء لأحد ونفيه عن الغير إلا لأبي بردة وعقبة ، وإن تعذر الجمع الذي قدمته فحديث أبي بردة أصح مخرجا والله أعلم .

قال الفاكهي : ينبغي النظر في اختصاص أبي بردة بهذا الحكم وكشف السر فيه ، وأجيب بأن الماوردي قال : إن فيه وجهين أحدهما أن ذلك كان قبل استقرار الشرع فاستثني ، والثاني أنه علم من طاعته وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه . قلت : وفي الأول نظر ، لأنه لو كان سابقا لامتنع وقوع ذلك لغيره بعد التصريح بعدم الإجزاء لغيره ، والفرض ثبوت الإجزاء لعدد غيره كما تقدم . وفي الحديث أن الجذع من المعز لا يجزي وهو قول الجمهور ، وعن عطاء وصاحبه الأوزاعي يجوز مطلقا ، وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي ، وقال النووي : وهو شاذ أو غلط ، وأغرب عياض فحكى الإجماع على عدم الإجزاء ، قيل والإجزاء مصادر للنص ولكن يحتمل أن يكون قائله قيد ذلك بمن لم يجد غيره ، ويكون معنى نفي الإجزاء عن غير [ ص: 18 ] من أذن له في ذلك محمولا على من وجد ، وأما الجذع من الضأن فقال الترمذي : إن العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ، لكن حكى غيره عن ابن عمر والزهري أن الجذع لا يجزي مطلقا سواء كان من الضأن أم من غيره ، وممن حكاه عن ابن عمر ابن المنذر في " الأشراف " وبه قال ابن حزم وعزاه لجماعة من السلف وأطنب في الرد على من أجازه ، ويحتمل أن يكون ذلك أيضا مقيدا بمن لم يجد ، وقد صح فيه حديث جابر رفعه لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم لكن نقل النووي عن الجمهور أنهم حملوه على الأفضل ، والتقدير يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة ، فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن ، قال : وليس فيه تصريح بمنع الجذعة من الضأن وأنها لا تجزي ، قال : وقد أجمعت الأمة على أن الحديث ليس على ظاهره ، لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه ، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه ، فتعين تأويله . قلت : ويدل للجمهور الأحاديث الماضية قريبا ، وكذا حديث أم هلال بنت هلال عن أبيها رفعه يجوز الجذع من الضأن أضحية أخرجه ابن ماجه ، وحديث رجل من بني سليم يقال له مجاشع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الجذع يوفي ما يوفي منه الثني أخرجه أبو داود وابن ماجه ، وأخرجه النسائي من وجه آخر ، لكن لم يسم الصحابي ، بل وقع عنده أنه رجل من مزينة ، وحديث معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر ضحينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجذع من الضأن أخرجه النسائي بسند قوي ، وحديث أبي هريرة رفعه نعمت الأضحية الجذعة من الضأن أخرجه الترمذي وفي سنده ضعف . واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن - وهم الجمهور - في سنه على آراء : أحدها أنه ما أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية وهو الأشهر عند أهل اللغة ، ثانيها نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة ، ثالثها سبعة أشهر وحكاه صاحب " الهداية " من الحنفية عن الزعفراني ، رابعها ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع ، خامسها التفرقة بين ما تولد بين شابين فيكون له نصف سنة أو بين هرمين فيكون ابن ثمانية ، سادسها ابن عشر ، سابعها لا يجزي حتى يكون عظيما حكاه ابن العربي وقال : إنه مذهب باطل ، كذا قال ، وقد قال صاحب " الهداية " إنه إذا كانت عظيمة بحيث لو اختلطت بالثنيات اشتبهت على الناظر من بعيد أجزأت ، وقال العبادي من الشافعية : لو أجذع قبل السنة أي سقطت أسنانه أجزأ كما لو تمت السنة قبل أن يجذع ويكون ذلك كالبلوغ إما بالسن وإما بالاحتلام ، وهكذا قال البغوي : الجذع ما استكمل السنة أو أجذع قبلها ، والله أعلم .

قوله : ( ثم قال من ذبح قبل الصلاة ) أي صلاة العيد ( فإنما يذبح لنفسه ) أي وليس أضحية ( ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه ) أي عبادته ( وأصاب سنة المسلمين ) أي طريقتهم . هكذا وقع في هذه الرواية أن هذا الكلام وقع بعد قصة أبي بردة بن نيار ، والذي في معظم الروايات كما سيأتي قريبا من رواية زبيد عن الشعبي أن هذا الكلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقع في الخطبة بعد الصلاة وأن خطاب أبي بردة بما وقع له كان قبل ذلك وهو المعتمد ولفظه " سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال : إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ، فقال أبو بردة : يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي " وتقدم في العيدين من طريق منصور عن الشعبي عن البراء قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأضحى بعد الصلاة فقال : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ، ومن نسك قبل الصلاة فإنه لا نسك له ؟ فقال أبو بردة فذكر الحديث ، وسيأتي بيان الحكم في هذا قريبا في " باب من ذبح قبل الصلاة أعاد " إن شاء الله - تعالى - . واستدل به على وجوب الأضحية على من التزم الأضحية فأفسد ما يضحي به ، ورده [ ص: 19 ] الطحاوي بأنه لو كان كذلك لتعرض إلى قيمة الأولى ليلزم بمثلها ، فلما لم يعتبر ذلك دل على أن الأمر بالإعادة كان على جهة الندب ، وفيه بيان ما يجري في الأضحية لا على وجوب الإعادة . وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المرجع في الأحكام إنما هو إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه قد يخص بعض أمته بحكم ويمنع غيره منه ولو كان بغير عذر ، وأن خطابه للواحد يعم جميع المكلفين حتى يظهر دليل الخصوصية ، لأن السياق يشعر بأن قوله لأبي بردة ضح به أي بالجذع ، ولو كان يفهم منه تخصيصه بذلك لما احتاج إلى أن يقول له ولن تجزي عن أحد بعدك . ويحتمل أن تكون فائدة ذلك قطع إلحاق غيره به في الحكم المذكور لا أن ذلك مأخوذ من مجرد اللفظ وهو قوي . واستدل بقوله اذبح مكانها أخرى وفي لفظ أعد نسكا وفي لفظ ضح بها وغير ذلك من الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية على وجوب الأضحية ، قال القرطبي في " المفهم " : ولا حجة في شيء من ذلك ، وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها أو من أوقعها على غير الوجه المشروع خطأ أو جهلا ، فبين له وجه تدارك ما فرط منه ، وهذا معنى قوله لا تجزي عن أحد بعدك أي لا يحصل له مقصود القربة ولا الثواب ، كما يقال في صلاة النفل : لا تجزي إلا بطهارة وستر عورة ، قال : وقد استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية من شريعة إبراهيم الخليل وقد أمرنا باتباعه ، ولا حجة فيه لأنا نقول بموجبه ، ويلزمهم الدليل على أنها كانت في شريعة إبراهيم واجبة ولا سبيل إلى علم ذلك ، ولا دلالة في قصة الذبيح للخصوصية التي فيها ، والله أعلم . وفيه أن الإمام يعلم الناس في خطبة العيد أحكام النحر . وفيه جواز الاكتفاء في الأضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته ، وبه قال الجمهور ، وقد تقدمت الإشارة إليه قبل ، وعن أبي حنيفة والثوري : يكره ، وقال الخطابي : لا يجوز أن يضحى بشاة واحدة عن اثنين ، وادعى نسخ ما دل عليه حديث عائشة الآتي في " باب من ذبح ضحية غيره " ، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال ، قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع . وفيه جواز أكل اللحم يوم العيد من غير لحم الأضحية لقوله إنما هو لحم قدمه لأهله . وفيه كرم الرب سبحانه وتعالى لكونه شرع لعبيده الأضحية مع ما لهم فيها من الشهوة بالأكل والادخار ومع ذلك فأثبت لهم الأجر في الذبح ، ثم من تصدق أثيب وإلا لم يأثم .

قوله : ( تابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم ، وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي ) قلت : أما عبيدة فهو بصيغة التصغير وهو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد المثناة وكسرها بعدها موحدة الضبي ، وروايته عن الشعبي يعني عن البراء بهذه القصة ، وأما قوله " وإبراهيم " فيعني النخعي ، وهو من طريق إبراهيم منقطع ، وليس لعبيدة في البخاري سوى هذا الموضع الواحد ، وأما متابعة حريث وهو بصيغة التصغير وهو ابن أبي مطر واسمه عمرو الأسدي الكوفي وما له أيضا في البخاري سوى هذا الموضع ، وقد وصله أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع عن حريث عن الشعبي عن البراء " أن خاله سأل " فذكر الحديث وفيه " عندي جذعة من المعز أوفى منها " وفي هذا تعقب على الدارقطني في " الأفراد " حيث زعم أن عبيد الله بن موسى تفرد بهذا عن حريث وساقه من طريقه بلفظ " قال : فعندي جذعة معز سمينة " .

قوله : ( وقال عاصم وداود عن الشعبي عندي عناق لبن ) أما عاصم فهو ابن سليمان الأحول ، وقد وصله مسلم من طريق عبد الواحد بن زياد عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم نحر فقال : لا يضحين أحد حتى يصلي . فقال رجل : عندي عناق لبن - وقال في آخره - ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك . وأما داود فهو ابن أبي هند فوصله مسلم أيضا من طريق هشيم عنه عن الشعبي عن البراء بلفظ إن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث [ ص: 20 ] وفيه - لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري ، فقال : أعد نسكا . فقال : إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم ، قال : هي خير نسيكتيك ، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك .

قوله : ( وقال زبيد وفراس عن الشعبي : عندي جذعة ) أما رواية زبيد وهو بالزاي ثم الموحدة مصغرا فوصلها المؤلف في أول الأضاحي كذلك ، وأما رواية فراس وهو بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة ابن يحيى فوصلها أيضا المؤلف في " باب من ذبح قبل الصلاة أعاد " .

قوله : ( وقال أبو الأحوص حدثنا منصور عناق جذعة ) هو بالتنوين فيهما ، ورواية منصور هذه وهو ابن المعتمر وصلها المؤلف من الوجه المذكور عنه عن الشعبي عن البراء في العيدين .

قوله : ( وقال ابن عون ) هو عبد الله ( عناق جذع ، عناق لبن ) يعني أن في روايته عن الشعبي عن البراء باللفظين جميعا لفظ عاصم ومن تابعه ولفظ منصور ومن تابعه ، وقد وصل المؤلف رواية ابن عون في كتاب الأيمان والنذور من طريق معاذ بن معاذ عن ابن عون باللفظ المذكور .

التالي السابق


الخدمات العلمية