صفحة جزء
5271 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي مسلم الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسقية قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ليس كل الناس يجد سقاء فرخص لهم في الجر غير المزفت
قوله : ( علي ) هو ابن المديني ، وسفيان هو ابن عيينة .

قوله : ( عن سليمان ) في رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا سليمان الأحول " وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من رواية الحميدي كذلك .

قوله : ( عن أبي عياض العنسي ) بالنون ، وعياض بكسر المهملة وتخفيف التحتانية وبعد الألف ضاد معجمة واسمه عمرو بن الأسود ، وقيل قيس بن ثعلبة وبذلك جزم أبو نصر الكلاباذي في رجال البخاري ، وكأنه تبع ما نقله البخاري عن علي بن المديني ، وقال النسائي في " الكنى " أبو عياض عمرو بن الأسود العنسي ، ثم ساق من طريق شرحبيل بن عمرو بن مسلم عن عمرو بن الأسود الحمصي أبي عياض . ثم روى عن معاوية بن صالح عن يحيى بن معين قال عمرو بن الأسود العنسي يكنى أبا عياض . ومن طريق البخاري قال لي علي - يعني ابن المديني - إن لم يكن اسم أبي عياض قيس بن ثعلبة فلا أدري قال البخاري وقال غيره عمرو بن الأسود . قال النسائي : ويقال كنية عمرو بن الأسود أبو عبد الرحمن . قلت : أورد الحاكم أبو أحمد في " الكنى " محصل ما أورده النسائي إلا قول يحيى بن معين ، وذكر أنه سمع عمر ومعاوية ، وأنه روى عنه مجاهد وخالد بن معدان وأرطاة بن المنذر وغيرهم ، وذكر في رواية شرحبيل بن مسلم عن عمرو بن الأسود أنه مر على مجلس فسلم فقالوا : لو جلست إلينا أبا عياض . ومن طريق موسى بن كثير عن مجاهد حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية . وروى أحمد في الزهد أن عمر أثنى على أبي عياض . وذكره أبو موسى في " ذيل الصحابة " وعزاه لابن أبي عاصم ، وأظنه ذكره لإدراكه ولكن لا تثبت له صحبة . وقال ابن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه كان من العلماء الثقات . وإذا تقرر ذلك فالراجح في أبي عياض الذي يروي عنه مجاهد أنه عمرو بن الأسود وأنه شامي ، وأما قيس بن ثعلبة فهو أبو عياض آخر وهو كوفي ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال : إنه يروي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم ، روى عنه أهل الكوفة . وإنما بسطت ترجمته لأن المزي لم يستوعبها ، وخلط ترجمة بترجمة ، وأنه صغر اسمه فقال : عمير بن الأسود الشامي العنسي صاحب عبادة بن الصامت ، والذي يظهر لي أنه غيره ; فإن كان كذلك فما له في البخاري سوى هذا الحديث ، وإن كان كما قال المزي فإن له عند البخاري حديثا تقدم ذكره في الجهاد من رواية خالد بن معدان عن عمير بن الأسود عن أم حرام بنت [ ص: 62 ] ملحان ، وكأن عمدته في ذلك أن خالد بن معدان روى عن عمرو بن الأسود أيضا ، وقد فرق ابن حبان في الثقات بين عمير بن الأسود الذي يكنى أبا عياض وبين عمير بن الأسود الذي يروي عن عبادة بن الصامت وقال كل منهما عمير بالتصغير ، فإن كان ضبطه فلعل أبا عياض كان يقال له عمرو وعمير ، ولكنه آخر غير صاحب عبادة . والله أعلم .

قوله : ( عن عبد الله بن عمرو ) أي ابن العاص ، كذا في جميع نسخ البخاري ، ووقع في بعض نسخ مسلم عبد الله بن عمر بضم العين ، وهو تصحيف نبه عليه أبو علي الجياني .

قوله ( لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأسقية ) كذا وقع في هذه الرواية . وقد تفطن البخاري لما فيها فقال بعد سياق الحديث " حدثني عبد الله بن محمد حدثنا سفيان بهذا وقال عن الأوعية " وهذا هو الراجح ، وهو الذي رواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه كأحمد والحميدي في مسنديهما وأبي بكر بن أبي شيبة وابن أبي عمر عند مسلم وأحمد بن عبدة عند الإسماعيلي وغيرهم ، وقال عياض : ذكر " الأسقية " وهم من الراوي ، وإنما هو عن " الأوعية " لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينه قط عن الأسقية وإنما نهى عن الظروف وأباح الانتباذ في الأسقية ، فقيل له ليس كل الناس يجد سقاء فاستثنى ما يسكر ; وكذا قال لوفد عبد القيس لما نهاهم عن الانتباذ في الدباء وغيرها ، قالوا : ففيم نشرب ؟ قال : في أسقية الأدم . قال ويحتمل أن تكون الرواية في الأصل كانت لما نهى عن النبيذ إلا في الأسقية ، فسقط من الرواية شيء انتهى . وسبقه إلى هذا الحميدي فقال في " الجمع " : لعله نقص من لفظ المتن ، وكان في الأصل لما نهى عن النبيذ إلا في الأسقية . وقال ابن التين : معناه لما نهى عن الظروف إلا الأسقية وهو عجيب ، والذي قاله الحميدي أقرب ، وإلا فحذف أداة الاستثناء مع المستثنى منه وإثبات المستثنى غير جائز إلا إن ادعى ما قال الحميدي أنه سقط على الراوي . وقال الكرماني : يحتمل أن يكون لما نهى في مسألة الأنبذة عن الجرار بسبب الأسقية قال : ومجيء " عن " سببية شائع ، مثل يسمنون عن الأكل أي بسبب الأكل ، ومنه فأزلهما الشيطان عنها أي بسببها . قلت : ولا يخفى ما فيه . ويظهر لي أن لا غلط ولا سقط ، وإطلاق السقاء على كل ما يسقى منه جائز ، فقوله " نهى عن الأسقية " بمعنى الأوعية ، لأن المراد بالأوعية ، الأوعية التي يستقى منها ، واختصاص اسم الأسقية بما يتخذ من الأدم إنما هو بالعرف . وقال ابن السكيت : السقاء يكون للبن والماء والوطب بالواو للبن خاصة ، والنحي بكسر النون وسكون المهملة للسمن والقربة للماء ، وإلا فمن يجيز القياس في اللغة لا يمنع ما صنع سفيان ، فكأنه كان يرى استواء اللفظين ، فحدث به مرة هكذا ومرارا هكذا ، ومن ثم لم يعدها البخاري وهما .

قوله : ( فرخص لهم في الجر غير المزفت ) في رواية ابن أبي عمر " فأرخص " وهي لغة ، يقال أرخص ورخص . وفي رواية ابن أبي شيبة " فأذن لهم في شيء منه " وفي هذا دلالة على أن الرخصة لم تقع دفعة واحدة ، بل وقع النهي عن الانتباذ إلا في سقاء فلما شكوا رخص لهم في بعض الأوعية دون بعض ; ثم وقعت الرخصة بعد ذلك عامة ، لكن يفتقر من قال إن الرخصة وقعت بعد ذلك إلى أن يثبت أن حديث بريدة الدال على ذلك كان متأخرا عن حديث عبد الله بن عمرو هذا .

قوله : ( حدثني عبد الله بن محمد ) هو الجعفي ، وليس هو أبا بكر بن أبي شيبة وإن كان هو أيضا عبد الله بن محمد . لأن قول البخاري بهذا يشعر بأن سياقه مثل سياق علي بن المديني إلا في اللفظة التي اختلفا فيها ، وسياق ابن أبي شيبة لا يشبه سياق علي .

[ ص: 63 ] قوله : ( بهذا ) أي بهذا الإسناد إلى علي والمتن ، وقد أخرجه الإسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش فقال : بإسناده مثله ،

قوله : ( عن الأوعية ) فيه حذف تقديره : نهى عن الانتباذ في الأوعية ، وقد بين ذلك في رواية زياد بن فياض عن أبي عياض أخرجه أبو داود بلفظ " لا تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير " والفرق بين الأسقية من الأدم وبين غيرها أن الأسقية يتخللها الهواء من مسامها فلا يسرع إليها الفساد مثل ما يسرع إلى غيرها من الجرار ونحوها مما نهى عن الانتباذ فيه . وأيضا فالسقاء إذا نبذ فيه ثم ربط أمنت مفسدة الإسكار بما يشرب منه لأنه متى تغير وصار مسكرا شق الجلد ، فلما لم يشقه فهو غير مسكر ، بخلاف الأوعية لأنها قد تصير النبيذ فيها مسكرا ولا يعلم به ، وأما الرخصة في بعض الأوعية دون بعض فمن جهة المحافظة على صيانة المال لثبوت النهي عن إضاعته ، لأن التي نهي عنها يسرع التغير إلى ما ينبذ فيها ، بخلاف ما أذن فيه فإنه لا يسرع إليه التغير ، ولكن حديث بريدة ظاهر في تعميم الإذن في الجميع ، يفيد أن لا تشربوا المسكر ، فكأن الأمن حصل بالإشارة إلى ترك الشرب من الوعاء ابتداء حتى يختبر حاله هل تغير أو لا ، فإنه لا يتعين الاختبار بالشرب بل يقع بغير الشرب ، مثل أن يصير شديد الغليان أو يقذف بالزبد ونحو ذلك .

قوله : ( فقالوا لا بد لنا ) في رواية زياد بن فياض أن قائل ذلك أعرابي . الحديث الثالث .

التالي السابق


الخدمات العلمية