صفحة جزء
باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا وأن لا يجعل إدامين في إدام

5278 حدثنا مسلم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال إني لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن البيضاء خليط بسر وتمر إذ حرمت الخمر فقذفتها وأنا ساقيهم وأصغرهم وإنا نعدها يومئذ الخمر وقال عمرو بن الحارث حدثنا قتادة سمع أنسا
قوله : ( باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا ) قال ابن بطال : قوله " إذا كان مسكرا " خطأ ، لأن النهي عن الخليطين عام وإن لم يسكر كثيرهما ، لسرعة سريان الإسكار إليهما من حيث لا يشعر صاحبه به ، فليس النهي عن الخليطين لأنهما يسكران حالا ، بل لأنهما يسكران مآلا فإنهما إذا كانا مسكرين في الحال لا خلاف في النهي عنهما . قال الكرماني : فعلى هذا فليس هو خطأ بل يكون على سبيل المجاز ، وهو استعمال مشهور . وأجاب ابن المنير بأن ذلك لا يرد على البخاري ، إما لأنه يرى جواز الخليطين قبل الإسكار ، وإما لأنه ترجم على ما يطابق الحديث الأول وهو حديث أنس ، فإنه لا شك أن الذي كان يسقيه القوم حينئذ كان مسكرا ، ولهذا دخل عندهم في عموم النهي عن الخمر ، حتى قال أنس " وإنا لنعدها يومئذ الخمر " فدل على أنه كان مسكرا . قال : وأما قوله " وأن لا يجعل إدامين في إدام " فيطابق حديث جابر وأبي قتادة ، ويكون النهي معللا بعلل مستقلة ، إما تحقيق إسكار الكثير وإما توقع الإسكار بالخلط سريعا وإما الإسراف والشره ، والتعليل بالإسراف مبين في حديث النهي عن قران التمر . قلت : والذي يظهر لي أن مراد البخاري بهذه الترجمة الرد على من أول النهي عن الخليطين بأحد تأويلين : أحدهما حمل الخليط على المخلوط ، وهو أن يكون نبيذ تمر وحده مثلا قد اشتد ، ونبيذ زبيب وحده مثلا قد اشتد ، فيخلطان ليصيرا خلا ، فيكون النهي من أجل تعمد التخليل ، وهذا مطابق للترجمة من غير تكلف . ثانيهما أن يكون علة النهي عن الخلط الإسراف ، فيكون كالنهي عن الجمع بين إدامين . ويؤيد الثاني قوله في الترجمة " وأن لا يجعل إدامين في إدام " وقد حكى أبو بكر الأثرم عن قوم أنهم حملوا النهي عن الخليطين على الثاني ، وجعلوه نظير النهي عن القران بين التمر كما تقدم في الأطعمة ، قالوا : فإذا ورد النهي عن القران بين التمرين وهما من نوع واحد فكيف إذا وقع القران بين نوعين ؟ ولهذا عبر المصنف بقوله " من رأى " ولم يجزم بالحكم . وقد نصر الطحاوي من حمل النهي عن الخليطين [ ص: 70 ] على منع السرف فقال : كان ذلك لما كانوا فيه من ضيق العيش . وساق حديث ابن عمر في النهي عن القران بين التمرتين ، وتعقب بأن ابن عمر أحد من روى النهي عن الخليطين وكان ينبذ البسر ، فإذا نظر إلى بسرة في بعضها ترطيب قطعه كراهة أن يقع في النهي ، وهذا على قاعدتهم يعتمد عليه ، لأنه لو فهم أن النهي عن الخليطين كالنهي عن القران لما خالفه فدل على أنه عنده على غيره .

ثم أورد المصنف حديث أنس الذي تقدم شرحه في أول الباب ، وفيه أنه سقاه خليط بسر وتمر ، فدل على : أن المراد بالنهي عن الخليطين ما كانوا يصنعونه قبل ذلك من خلط البسر بالتمر ونحو ذلك ، لأن ذلك عادة يقتضي إسراع الإسكار بخلاف المنفردين ، ولا يمكن حمل حديث أنس هذا في الخليطين على ما ادعاه صاحب التأويل الأول ، وحمل علة النهي لخوف الإسراع أظهر من حملها على الإسراف ، لأنه لا فرق بين نصف رطل من تمر ونصف رطل من بسر إذا خلطا مثلا ، وبين رطل من زبيب صرف ، بل هو أولى لقلة الزبيب عندهم إذ ذاك بالنسبة إلى التمر والرطب ، وقد وقع الإذن بأن ينبذ كل واحد على حدة ، ولم يفرق بين قليل وكثير ، فلو كانت العلة الإسراف لما أطلق ذلك . وحكى الطحاوي في " اختلاف العلماء " عن الليث قال : لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا ، وإنما جاء النهي أن ينبذا جميعا ثم يشربان لأن أحدهما يشتد به صاحبه .

قوله : ( وقال عمرو بن الحارث حدثنا قتادة سمع أنسا ) أراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة ، لأنه وقع في الرواية التي ساقها قبل معنعنا ، وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث ولفظه " نهى أن يخلط التمر والزهو ثم يشرب ، وأن ذلك كان عامة خمرهم يومئذ " ، وهذا السياق أظهر في المراد الذي حملت عليه لفظ الترجمة والله أعلم . وقوله في الإسناد الأول " حدثنا مسلم " وقع في رواية النسفي " حدثنا مسلم بن إبراهيم " وهشام هو الدستوائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية