صفحة جزء
باب استعذاب الماء

5288 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله أنه سمع أنس بن مالك يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب ماله إليه بيرحاء وكانت مستقبل المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح أو رايح شك عبد الله وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه وقال إسماعيل ويحيى بن يحيى رايح
قوله : ( باب استعذاب الماء ) بالذال المعجمة أي طلب الماء العذب ، والمراد به الحلو .

ذكر فيه حديث أنس في صدقة أبي طلحة لقوله فيه : " ويشرب من ماء فيها طيب " وقد ورد في خصوص هذا اللفظ - وهو استعذاب الماء - حديث عائشة - رضي الله عنها كان رسول الله يستعذب له الماء من بيوت السقيا " والسقيا بضم المهملة وبالقاف بعدها تحتانية قال قتيبة : هي عين بينها وبين المدينة يومان ، هكذا أخرجه أبو داود عنه بعد سياق الحديث بسند جيد وصححه الحاكم ، وفي قصة أبي الهيثم بن التيهان أن امرأته قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءهم يسأل عن أبي الهيثم " ذهب يستعذب لنا من الماء " وهو عند مسلم كما سأبينه بعد ، وذكر الواقدي من حديث سلمى امرأة أبي رافع " كان أبو أيوب حين نزل عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعذب له الماء من بئر مالك بن النضر والد أنس " ثم كان أنس وهند وحارثة أبناء أسماء يحملون الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا ، وكان رباح الأسود عبده يستقي له من بئر عرس مرة ومن بيوت السقيا مرة . قال ابن بطال : استعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم ، بخلاف تطييب الماء بالمسك ونحوه فقد كرهه مالك لما فيه من السرف ، وأما شرب الماء الحلو وطلبه فمباح ، فقد فعله الصالحون . وليس في شرب الماء الملح فضيلة ، قال : وفيه دلالة على أن استطابة الأطعمة جائزة وأن ذلك من فعل أهل الخير ، وقد ثبت أن قوله - تعالى - : ياأيها آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم نزل في الذين أرادوا الامتناع من لذائذ المطاعم ، قال : ولو كانت مما لا يريد الله تناوله ما امتن بها على عباده ، بل نهيه عن تحريمها يدل على أنه أراد منهم تناولها ليقابلوا نعمته بها عليهم بالشكر لها ، وإن كانت نعمه لا يكافئها شكرهم . وقال ابن المنير : أما أن استعذاب الماء لا ينافي الزهد والورع فواضح ، وأما الاستدلال بذلك على لذيذ الأطعمة فبعيد . وقال ابن التين : هذا الحديث أصل في جواز شرب الماء من البستان بغير ثمن . قلت : المأذون له في الدخول فيه لا شك فيه ، وأما غيره فلما اقتضاه العرف من المسامحة بذلك ، وثبوت ذلك بالفعل المذكور فيه نظر . قوله : ذلك مال رايح أو رابح الأول بتحتانية والثاني بموحدة والحاء مهملة فيهما ، فالأول معناه أن أجره يروح إلى صاحبه أي يصل إليه ولا ينقطع عنه ، والثاني : معناه كثير الربح ، وأطلق عليه صفة صاحبه المتصدق به . وقوله : " شك عبد الله بن مسلمة " هو القعنبي ، وقوله : " قال إسماعيل " هو ابن أبي أويس ويحيى هو ابن يحيى ، ورايح في روايتهما بالتحتانية وقد تقدمت رواية إسماعيل مصرحا فيها بالتحديث في تفسير آل عمران ، ورواية يحيى بن يحيى كذلك في الوكالة ، وتقدم شرح الحديث مستوفى في كتاب الوكالة .

[ ص: 78 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية