صفحة جزء
باب الشرب بنفسين أو ثلاثة

5308 حدثنا أبو عاصم وأبو نعيم قالا حدثنا عزرة بن ثابت قال أخبرني ثمامة بن عبد الله قال كان أنس يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثا وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا
قوله : ( باب الشرب بنفسين أو ثلاثة ) كذا ترجم ، مع أن لفظ الحديث الذي أورده في الباب " كان يتنفس " فكأنه أراد أن يجمع بين حديث الباب والذي قبله لأن ظاهرهما التعارض ، إذ الأول صريح في النهي عن التنفس في الإناء والثاني يثبت التنفس ، فحملهما على حالتين : فحالة النهي على التنفس داخل الإناء ، وحالة الفعل على من تنفس خارجه ، فالأول : على ظاهره من النهي ، والثاني : تقديره كان يتنفس في حالة الشرب من الإناء . قال ابن المنير : أورد ابن بطال سؤال التعارض بين الحديثين ، وأجاب بينهما فأطنب ، ولقد أغنى البخاري عن ذلك بمجرد لفظ الترجمة : فجعل الإناء في الأول ظرفا للتنفس والنهي عنه لاستقذاره ، وقال في الثاني " الشرب بنفسين " فجعل النفس الشرب ، أي لا يقتصر على نفس واحد بل يفصل بين الشربين بنفسين أو ثلاثة خارج الإناء . فعرف بذلك انتفاء التعارض . وقال الإسماعيلي : المعنى أنه كان يتنفس أي على الشراب لا فيه داخل الإناء ، قال : وإن لم يحمل على هذا صار الحديثان مختلفين وكان أحدهما منسوخا لا محالة ، والأصل عدم النسخ ، والجمع مهما أمكن أولى . ثم أشار إلى حديث أبي سعيد ، وهو ما أخرجه الترمذي وصححه والحاكم من طريقه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب ، فقال رجل : القذاة أراها في الإناء ، قال : أهرقها . قال : فإني لا أروى من نفس واحد ، قال : فأبن القدح إذا عن فيك ولابن ماجه من حديث أبي هريرة رفعه إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد . قال الأثرم : اختلاف الرواية في هذا دال على الجواز وعلى اختيار الثلاث ، والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء أن لا يجعل نفسه داخل الإناء ، وليس المراد أن يتنفس خارجه طلب الراحة . واستدل به لمالك على جواز الشرب بنفس واحد . وأخرج ابن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب وطائفة . وقال عمر بن عبد العزيز : إنما نهى عن التنفس داخل الإناء ، فأما من لم يتنفس فإن شاء فليشرب بنفس واحد . قلت : وهو تفصيل حسن . وقد ورد الأمر بالشرب [ ص: 96 ] بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعا أخرجه الحاكم ، وهو محمول على التفصيل المذكور .

قوله : ( حدثنا عزرة ) بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء ابن ثابت ، هو تابعي صغير أنصاري أصله من المدينة نزل البصرة ، وقد سمع من جده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهما ، فهذا الإسناد له حكم الثلاثيات وإن كان شيخ تابعيه فيه تابعيا آخر .

قوله : ( كان يتنفس في الإناء مرتين أو ثلاثا ) يحتمل أن تكون " أو " للتنويع ، وأنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يقتصر على المرة بل إن روي من نفسين اكتفى بهما وإلا فثلاث ، ويحتمل أن تكون " أو " للشك ، فقد أخرج إسحاق بن راهويه الحديث المذكور عن عبد الرحمن بن مهدي عن عزرة بلفظ " كان يتنفس ثلاثا " ولم يقل أو ، وأخرج الترمذي بسند ضعيف عن ابن عباس رفعه لا تشربوا واحدة كما يشرب البعير ، ولكن اشربوا مثنى وثلاث فإن كان محفوظا فهو يقوي ما تقدم من التنويع . وأخرج أيضا بسند ضعيف عن ابن عباس أيضا " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شرب تنفس مرتين " وهذا ليس نصا في الاقتصار على المرتين بل يحتمل أن يراد به التنفس في أثناء الشرب فيكون قد شرب ثلاث مرات ، وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع . وأخرج مسلم وأصحاب السنن من طريق أبي عاصم عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفس في الإناء ثلاثا ويقول : هو أروى وأمرأ وأبرأ لفظ مسلم ، وفي رواية أبي داود أهنأ بدل قوله أروى وقوله : أروى هو من الري بكسر الراء غير مهموز أي أكثر ريا ، ويجوز أن يقرأ مهموزا للمشاكلة ، و " أمرأ " بالهمز من المراءة ، يقال مرأ الطعام بفتح الراء يمرأ بفتحها ويجوز كسرها صار مريا ، و " أبرأ " بالهمز من البراءة أو من البرء أي يبرئ من الأذى والعطش . و " أهنأ " بالهمز من الهنء ، والمعنى أنه يصير هنيئا مريا بريا أي سالما أو مبريا من مرض أو عطش أو أذى . ويؤخذ من ذلك أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة . واستعمال أفعل التفضيل في هذا يدل على أن للمرتين في ذلك مدخلا في الفضل المذكور ، ويؤخذ منه أن النهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه ، قال المهلب : النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب ، من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق فيعافه الشارب ويتقذره . إذ كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس ، ومحل هذا إذا أكل وشرب مع غيره ، وأما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يتقذر شيئا مما يتناوله فلا بأس . قلت : والأولى تعميم المنع ، لأنه لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل التقذر من الإناء أو نحو ذلك . وقال ابن العربي : قال علماؤنا هو من مكارم الأخلاق ، ولكن محرم على الرجل أن يناول أخاه ما يتقذره ، فإن فعله في خاصة نفسه ثم جاء غيره فناوله إياه فليعلمه ، فإن لم يعلمه فهو غش ، والغش حرام ، وقال القرطبي : معنى النهي عن التنفس في الإناء لئلا يتقذر به من بزاق أو رائحة كريهة تتعلق بالماء ، وعلى هذا إذا لم يتنفس يجوز الشرب بنفس واحد ، وقيل : يمنع مطلقا لأنه شرب الشيطان ، قال : وقول أنس " يتنفس في الشرب ثلاثا " قد جعله بعضهم معارضا للنهي ، وحمل على بيان الجواز ، ومنهم من أومأ إلى أنه من خصائصه لأنه كان لا يتقذر منه شيء .

( تكملة ) : أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب في ثلاثة أنفاس ، إذا أدنى الإناء إلى فيه يسمي الله ، فإذا أخره حمد الله ، يفعل ذلك ثلاثا وأصله في ابن ماجه ، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند البزار والطبراني ، وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس المشار إليه قبل وسموا إذا أنتم شربتم ، واحمدوا إذا أنتم رفعتم وهذا يحتمل أن يكون شاهدا لحديث أبي هريرة المذكور ، ويحتمل [ ص: 97 ] أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية