صفحة جزء
باب من ترك العصر

528 حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المليح قال كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم فقال بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله
[ ص: 39 ] قوله ( باب من ترك العصر ) أي ما يكون حكمه ؟ قال ابن رشيد : أجاد البخاري حيث اقتصر على صدر الحديث فأبقى فيه محلا للتأويل . وقال غيره : كان ينبغي أن يذكر حديث الباب في الباب الذي قبله ولا يحتاج إلى هذه الترجمة . وتعقب بأن الترك أصرح بإرادة التعمد من الفوات .

قوله : ( حدثنا مسلم بن إبراهيم ) سقط عند الأصيلي " ابن إبراهيم " .

قوله : ( حدثنا هشام ) وقع عند غير أبي ذر " أنبأنا هشام " وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي .

قوله : ( أخبرنا يحيى ) عند غير أبي ذر " حدثنا " .

قوله : ( عن أبي قلابة ) عند ابن خزيمة من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام عن يحيى أن أبا قلابة حدثه .

قوله : ( عن أبي المليح ) عند المصنف في " باب التبكير بالصلاة في يوم الغيم " عن معاذ بن فضالة عن هشام في هذا الإسناد أن أبا المليح حدثه ، وأبو المليح هو ابن أسامة بن عمير الهذلي ، وقد تقدم أن اسمه عامر وأبوه صحابي ، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين على نسق . وتابع هشاما على هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير شيبان ومعمر وحديثهما عند أحمد ، وخالفهم الأوزاعي فرواه عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة ، والأول هو المحفوظ ، وخالفهم أيضا في سياق المتن كما سيأتي التنبيه عليه في " باب التبكير " المذكور إن شاء الله تعالى .

قوله ( كنا مع بريدة ) هو ابن الحصيب الأسلمي .

قوله ( ذي غيم ) قيل خص يوم الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير إما لمتنطع يحتاط لدخول الوقت فيبالغ في التأخير حتى يخرج الوقت ، أو لمتشاغل بأمر آخر فيظن بقاء الوقت فيسترسل في شغله إلى أن يخرج الوقت .

قوله : ( بكروا ) أي عجلوا ، والتبكير يطلق لكل من بادر بأي شيء كان في أي وقت كان ، وأصله المبادرة بالشيء أول النهار .

قوله : ( فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) الفاء للتعليل ، وقد استشكل معرفة تيقن دخول أول الوقت مع وجود الغيم لأنهم لم يكونوا يعتمدون فيه إلا على الشمس ، وأجيب باحتمال أن بريدة قال ذلك عند معرفة دخول الوقت ، لأنه لا مانع في يوم الغيم من أن تظهر الشمس أحيانا . ثم إنه لا يشترط - إذا احتجبت الشمس - اليقين بل يكفي الاجتهاد .

قوله ( من ترك صلاة العصر ) زاد معمر في روايته " متعمدا " وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء .

[ ص: 40 ] قوله ( فقد حبط ) سقط " فقد " من رواية المستملي ، وفي رواية معمر " أحبط الله عمله " . وقد استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم وقالوا : هو نظير قوله تعالى ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وقال ابن عبد البر : مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث فيتعين تأويل الحديث ، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح . وتمسك بظاهر الحديث أيضا الحنابلة ومن قال بقولهم من أن تارك الصلاة يكفر ، وجوابهم ما تقدم . وأيضا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك .

وأما الجمهور فتأولوا الحديث ، فافترقوا في تأويله فرقا . فمنهم من أول سبب الترك ، ومنهم من أول الحبط ، ومنهم من أول العمل فقيل : المراد من تركها جاحدا لوجوبها ، أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها . وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ، ولهذا أمر بالمبادرة إليها ، وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم . وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى : فقد أشبه من حبط عمله ، وقيل معناه كاد أن يحبط ، وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله ، فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة ، أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ ، وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به ، كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن غفر له فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك .

قال معنى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي ، وقد تقدم مبسوطا في كتاب الإيمان في " باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله " ومحصل ما قال أن المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث ، وقال في شرح الترمذي : الحبط على قسمين ، حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات ، وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته . وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة ، بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع ، وأقرب هذه التأويلات قول من قال : إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية