صفحة جزء
باب لبس القسي وقال عاصم عن أبي بردة قال قلت لعلي ما القسية قال ثياب أتتنا من الشأم أو من مصر مضلعة فيها حرير وفيها أمثال الأترنج والميثرة كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف يصفرنها وقال جرير عن يزيد في حديثه القسية ثياب مضلعة يجاء بها من مصر فيها الحرير والميثرة جلود السباع قال أبو عبد الله عاصم أكثر وأصح في الميثرة

5500 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا سفيان عن أشعث بن أبي الشعثاء حدثنا معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر والقسي
قوله : ( باب لبس القسي ) بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها ياء نسبة ، وذكر أبو عبيد في " غريب الحديث " أن أهل الحديث يقولونه بكسر القاف وأهل مصر يفتحونها ، وهي نسبة إلى بلد يقال لها القس رأيتها ولم يعرفها الأصمعي ، وكذا قال الأكثر هي نسبة للقس بمصر منهم الطبري وابن سيده ، وقال الحازمي هي من بلاد الساحل وقال المهلب هي على ساحل مصر وهي حصن بالقرب من الفرما من جهة الشام ، وكذا وقع في حديث ابن وهب أنها تلي الفرما والفرما بالفاء وراء مفتوحة ، وقال النووي : هي بقرب تنيس وهو متقارب ، وحكى أبو عبيد الهروي عن شمر اللغوي أنها بالزاي لا بالسين نسبة إلى القز وهو الحرير فأبدلت الزاي سينا . وحكى ابن الأثير في " النهاية " أن القس الذي نسب إليه هو الصقيع سمي بذلك لبياضه ، وهو والذي قبله كلام من لم يعرف القس القرية .

قوله : ( وقال عاصم عن أبي بردة قال : قلنا لعلي ما القسية ؟ إلخ ) هذا طرف من حديث وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس سمعت عاصم بن كليب عن أبي بردة وهو ابن أبي موسى الأشعري عن علي قال : " نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس القسي وعن المياثر ، قال فأما القسي فثياب مضلعة " الحديث . وأخرج مسلم من وجهين آخرين عن علي النهي عن لباس القسي ، لكن ليس فيه تفسيره .

قوله : ( ثياب أتتنا من الشام أو من مصر ) في رواية مسلم : من مصر والشام .

قوله : ( مضلعة فيها حرير ) أي فيها خطوط عريضة كالأضلاع ، وحكى المنذري أن المراد بالمضلع ما نسج بعضه وترك بعضه ، وقوله : " فيها حرير " يشعر بأنها ليست حريرا صرفا ، وحكى النووي عن العلماء أنها ثياب مخلوطة بالحرير ، وقيل : من الخز وهو رديء الحرير .

قوله : ( وفيها أمثال الأترنج ) أي أن الأضلاع التي فيها غليظة معوجة ; ووقع في رواية مسلم فيها " شبه كذا " على الإبهام ، وقد فسرته رواية البخاري المعلقة . ووقع لنا موصولا في " أمالي المحاملي " باللفظ الذي علقه البخاري .

[ ص: 306 ] قوله : ( والميثرة ) هي بكسر الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها ، وأصلها من الوثارة أو الوثرة بكسر الواو وسكون المثلثة ، والوثير هو الفراش الوطيء وامرأة وثيرة كثيرة اللحم .

قوله : ( كانت النساء تصنعه لبعولتهن مثل القطائف يصفونها ) أي يجعلونها كالصفة ، وحكى عياض في رواية " يصفرنها " بكسر الفاء ثم راء وأظنه تصحيفا وإنما قال " يصفونها " بلفظ المذكر للإشارة إلى أن النساء يصنعن ذلك والرجال هم الذين يستعملونها في ذلك ، وقال الزبيدي اللغوي : والميثرة مرفقة كصفة السرج . وقال الطبري : هو وطاء يوضع على سرج الفرس أو رحل البعير كانت النساء تصنعه لأزواجهن من الأرجوان الأحمر ومن الديباج ، وكانت مراكب العجم ، وقيل : هي أغشية للسروج من الحرير ، وقيل هي سروج من الديباج ، فحصلنا على أربعة أقوال في تفسير الميثرة هل هي وطاء للدابة ، أو لراكبها ، أو هي السرج نفسه ، أو غشاوة . وقال أبو عبيد : المياثر الحمر كانت من مراكب العجم من حرير أو ديباج .

قوله : ( وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسية إلخ ) هو طرف أيضا من حديث وصله إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " له عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل قال : " القسية ثياب مضلعة " الحديث . ووهم الدمياطي فضبط يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغرا ، فكأنه لما رأى التعليق الأول من رواية أبي بردة بن أبي موسى ظن أن التعليق الثاني من رواية حفيده بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وزعم الكرماني - وتبعه بعض من لقيناه - أن يزيد هذا هو ابن رومان ، قال وجرير هو ابن حازم ، وليس كما قال ، والفيصل في ذلك رواية إبراهيم الحربي ، وقد أخرج ابن ماجه أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقدم . قال يزيد قلت للحسن بن سهيل : ما المقدم ؟ قال المسبغ بالعصفر " هذا القدر الذي ذكر ابن ماجه منه وبقيته هو هذا الموقوف على الحسن بن سهيل ، وهو المراد بقول البخاري " قال جرير عن يزيد في حديثه " يريد أنه ليس من قول يزيد بل من روايته عن غيره والله أعلم .

قوله : ( والميثرة جلود السباع ) قال النووي : هو تفسير باطل مخالف لما أطبق عليه أهل الحديث . قلت : وليس هو بباطل ، بل يمكن توجيهه ، وهو ما إذا كانت الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت ، والنهي حينئذ عنها إما لأنها من زي الكفار ، وإما لأنها لا تعمل فيها الذكاة ، أو لأنها لا تذكى غالبا فيكون فيه حجة لمن منع لبس ذلك ولو دبغ ، لكن الجمهور على خلافه ، وأن الجلد يطهر بالدباغ . وقد اختلف أيضا في الشعر هل يطهر بالدباغ ؟ لكن الغالب على المياثر أن لا يكون فيها شعر ، وقد ثبت النهي عن الركوب على جلود النمور أخرجه النسائي من حديث المقدام بن معد يكرب ، وهو مما يؤيد التفسير المذكور . ولأبي داود لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر .

قوله : ( قال أبو عبد الله : عاصم أكثر وأصح في الميثرة ) يعني رواية عاصم في تفسير الميثرة أكثر طرقا وأصح من رواية يزيد ، وهذا الكلام لم يقع في رواية أبي ذر ولا النسفي ، وأطلق في حديث علي المياثر وقيدها في حديث البراء بالحمر ، وسيأتي الكلام على ذلك في " باب الثوب الأحمر " إن شاء الله - تعالى - .

قوله : " أخبرنا عبد الله " هو ابن المبارك وسفيان هو الثوري ، وقوله : " نهانا " في رواية الكشميهني " نهى " ، وقوله : " عن المياثر الحمر وعن القسي " هو طرف من حديث أوله " أمرنا بسبع ونهانا عن سبع " وسيأتي بتمامه في " باب المياثر الحمر " بعد أبواب . واستدل بالنهي عن لبس القسي على منع لبس ما خالطه الحرير من الثياب [ ص: 307 ] لتفسير القسي بأنه ما خالط غير الحرير فيه الحرير ، ويؤيده عطف الحرير على القسي في حديث البراء ، ووقع كذلك في حديث علي عند أبي داود والنسائي وأحمد بسند صحيح على شرط الشيخين من طريق عبيدة بن عمرو عن علي قال : " نهاني النبي صلى الله عليه وسلم - عن القسي والحرير " ويحتمل أن تكون المغايرة باعتبار النوع فيكون الكل من الحرير كما وقع عطف الديباج على الحرير في حديثحذيفة الماضي قريبا ، ولكن الذي يظهر من سياق طرق الحديث في تفسير القسي أنه الذي يخالط الحرير لا أنه الحرير الصرف ، فعلى هذا يحرم لبس الثوب الذي خالطه الحرير . وهو قول بعض الصحابة كابن عمر والتابعين كابن سيرين ، وذهب الجمهور إلى جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير الأغلب ، وعمدتهم في ذلك ما تقدم في تفسير الحلة السيراء وما انضاف إلى ذلك من الرخصة في العلم في الثوب إذا كان من حرير كما تقدم تقريره في حديث عمر ، قال ابن دقيق العيد : وهو قياس في معنى الأصل ، لكن لا يلزم من جواز ذلك جواز كل مختلط ، وإنما يجوز منه ما كان مجموع الحرير فيه قدر أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة لجميع الثوب فيكون المنع من لبس الحرير شاملا للخالص والمختلط ، وبعد الاستثناء يقتصر على القدر المستثنى وهو أربع أصابع إذا كانت منفردة ، ويلتحق بها في المعنى ما إذا كانت مختلطة ، قال : وقد توسع الشافعية في ذلك ، ولهم طريقان : أحدهما : وهو الراجح اعتبار الوزن ، فإن كان الحرير أقل وزنا لم يحرم أو أكثر حرم ، وإن استويا فوجهان اختلف الترجيح فيهما عندهم . والطريق الثاني : الاعتبار بالقلة والكثرة بالظهور ، وهذا اختيار القفال ومن تبعه ، وعند المالكية في المختلط أقوال ثالثها الكراهة ، ومنهم من فرق بين الخز وبين المختلط بقطن ونحوه فأجاز الخز ومنع الآخر ، وهذا مبني على تفسير الخز ، وقد تقدم في بعض تفاسير القسي أنه الخز ; فمن قال إنه رديء الحرير فهو الذي يتنزل عليه القول المذكور ; ومن قال إنه ما كان من وبر فخلط بحرير لم يتجه التفصيل المذكور ، واحتج أيضا من أجاز لبس المختلط بحديث ابن عباس " إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به " أخرجه الطبراني بسند حسن هكذا ، وأصله عند أبي داود ، وأخرجه الحاكم بسند صحيح بلفظ " إنما نهى عن المصمت إذا كان حريرا " وللطبراني من طريق ثالث " نهى عن مصمت الحرير فأما ما كان سداه من قطن أو كتان فلا بأس به " واستدل ابن العربي للجواز أيضا بأن النهي عن الحرير حقيقة في الخالص ، والإذن في القطن ونحوه صريح ، فإذا خلطا بحيث لا يسمى حريرا بحيث لا يتناوله الاسم ولا تشمله علة التحريم خرج عن الممنوع فجاز ، وقد ثبت لبس الخز عن جماعة من الصحابة وغيرهم ، قال أبو داود : لبسه عشرون نفسا من الصحابة وأكثر ، وأورده ابن أبي شيبة عن جمع منهم وعن طائفة من التابعين بأسانيد جياد ، وأعلى ما ورد في ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن سعد الدشتكي عن أبيه قال : " رأيت رجلا على بغلة وعليه عمامة خز سوداء وهو يقول : كسانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمار بن أبي عمار قال : " أتت مروان بن الحكم مطارف خز ، فكساها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " والأصح في تفسير الخز أنه ثياب سداها من حرير ولحمتها من غيره ، وقيل . تنسج مخلوطة من حرير وصوف أو نحوه ، وقيل : أصله اسم دابة يقال لها الخز سمي الثوب المتخذ من وبره خزا لنعومته ثم أطلق على ما يخلط بالحرير لنعومة الحرير ، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال بلبسه على جواز لبس ما يخالطه الحرير ما لم يتحقق أن الخز الذي لبسه السلف كان من المخلوط بالحرير والله أعلم . وأجاز الحنفية والحنابلة لبس الخز ما لم يكن فيه شهرة ، عن مالك الكراهة ، وهذا كله في الخز ، وأما القز بالقاف بدل الخاء المعجمة فقال الرافعي : عد الأئمة القز من الحرير وحرموه على الرجال ولو كان كمد اللون ، ونقل الإمام الاتفاق عليه لكن حكى المتولي في " التتمة " وجها [ ص: 308 ] أنه لا يحرم لأنه ليس من ثياب الزينة ، قال ابن دقيق العيد : إن كان مراده بالقز ما نطلقه نحن الآن عليه فليس يخرج عن اسم الحرير فيحرم ، ولا اعتبار بكمودة اللون ولا بكونه ليس من ثياب الزينة فإن كلا منهما تعليل ضعيف لا أثر له بعد انطلاق الاسم عليه ا هـ كلامه . ولم يتعرض لمقابل التقسيم ; وهو وإن كان المراد به شيئا آخر فيتجه كلامه ، والذي يظهر أن مراده به رديء الحرير ، وهو نحو ما تقدم في الخز ، ولأجل ذلك وصفه بكمودة اللون . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية