صفحة جزء
باب الحرير للنساء

5502 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة ح وحدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي
[ ص: 309 ] قوله : ( باب الحرير للنساء ) كأنه لم يثبت عنده الحديثان المشهوران في تخصيص النهي بالرجال صريحا فاكتفى بما يدل على ذلك . وقد أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث علي " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرا وذهبا فقال : هذان حرامان على ذكور أمتي حل لإناثهم " وأخرج أبو داود والنسائي وصححه الترمذي والحاكم من حديث موسى وأعله ابن حبان وغيره بالانقطاع وأن رواية سعيد بن أبي هند لم تسمع من أبي موسى ، وأخرج أحمد والطحاوي وصححه من حديث مسلمة بن مخلد أنه قال لعقبة بن عامر : قم فحدث بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " سمعته يقول : الذهب والحرير حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم " قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : إن قلنا إن تخصيص النهي للرجال لحكمة فالذي يظهر أنه سبحانه و - تعالى - علم قلة صبرهن عن التزين فلطف بهن في إباحته ، ولأن تزيينهن غالبا إنما هو للأزواج ، وقد ورد أن " حسن التبعل من الإيمان " قال : ويستنبط من هذا أن الفحل لا يصلح له أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكون ذلك من صفات الإناث . وذكر فيه المصنف ثلاثة أحاديث :

الحديث الأول ، قوله : ( عن عبد الملك بن ميسرة ) بفتح الميم وتحتانية ساكنة ثم مهملة هو الهلالي أبو زيد الزراد بزاي ثم راء ثقيلة ، وقد تقدم في النفقات من وجه آخر عن شعبة أخبرني عبد الملك ، ولشعبة فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من رواية معاذ عنه عن أبي عون الثقفي عن أبي صالح الحنفي عن علي .

قوله : ( عن زيد بن وهب ) كذا للأكثر ، وتقدم كذلك في الهبة والنفقات . وكذا عند مسلم ، ووقع في رواية علي بن السكن هنا وحده عن النزال بن سبرة بدل زيد بن وهب وهو وهم ، كأنه انتقل من حديث إلى حديث لأن رواية عبد الملك عن النزال عن علي إنما هي في الشرب قائما كما تقدم في الأشربة ، وقد وافق الجماعة في الموضعين الآخرين ، وزيد بن وهب هو الجهني الثقة المشهور من كبار التابعين ، وما له في البخاري عن علي سوى هذا الحديث ، وتقدم في الهبة بلفظ " سمعت زيد بن وهب " .

قوله : ( أهدى ) بفتح أوله .

قوله : ( إلي ) بتشديد الياء >[1] ووقع في رواية أبي صالح المذكورة " أهديت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة فبعث بها إلي " ولمسلم أيضا من وجه آخر عن أبي صالح عن علي " أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب حرير فأعطاه عليا " وفي رواية للطحاوي " أهدى أمير أذربيجان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حلة مسيرة بحرير " وسنده ضعيف .

قوله : ( حلة سيراء ) قال أبو عبيد الحلل برود اليمن ، والحلة إزار ورداء ، ونقله ابن الأثير وزاد إذا كان من جنس واحد ، وقال ابن سيده في المحكم الحلة برد أو غيره ، وحكى عياض أن أصل تسمية الثوبين حلة أنهما يكونان جديدين كما حل طيهما ، وقيل : لا يكون الثوبان حلة حتى يلبس أحدهما فوق الآخر ، فإذا كان فوقه فقد حل عليه والأول أشهر ، والسيراء بكسر المهملة وفتح التحتانية والراء مع المد ، قال الخليل : ليس في الكلام فعلاء [ ص: 310 ] بكسر أوله مع المد سوى سيراء ، وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد ، وعنباء لغة في العنب ، قالمالك : هو الوشي من الحرير ، كذا قال ، والوشي بفتح الواو وسكون المعجمة بعدها تحتانية . وقال الأصمعي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز ، وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها . وقال الخليل : ثوب مضلع بالحرير وقيل : مختلف الألوان فيه خطوط ممتدة كأنها السيور . ووقع عند أبي داود في حديث أنس " أنه رأى على أم كلثوم حلة سيراء " والسيراء المضلع بالقز ، وقد جزم ابن بطال كما سيأتي في ثالث أحاديث الباب أنه من تفسير الزهري ، وقال ابن سيده : هو ضرب من البرود ، وقيل ثوب مسير فيه خطوط يعمل من القز ، وقيل : ثياب من اليمن ، وقال الجوهري : برد فيه خطوط صفر ، ونقل عياض عن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسما ، وهو الحرير الصافي واختلف في قوله " حلة سيراء " هل هو بالإضافة أو لا ، فوقع عند الأكثر بتنوين حلة على أن سيراء عطف بيان أو نعت ، وجزم القرطبي بأنه الرواية ، وقال الخطابي : قالوا حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء ، ونقل عياض عن أبي مروان بن السراج أنه بالإضافة ، قال عياض : وكذا ضبطناه عن متقني شيوخنا ، وقال النووي إنه قول المحققين ومتقني العربية وإنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز .

قوله : ( فخرجت فيها ) في رواية أبي صالح عن علي " فلبستها " .

قوله : ( فرأيت الغضب في وجهه ) زاد مسلم في رواية أبي صالح فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ، إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين النساء وله في أخرى شققها خمرا بين الفواطم .

قوله : ( فشققتها بين نسائي ) أي قطعتها ففرقتها عليهن خمرا ، والخمر بضم المعجمة والميم جمع خمار بكسر أوله والتخفيف : ما تغطي به المرأة رأسها ، والمراد بقوله : " نسائي " ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال : بين الفواطم ووقع في رواية النسائي حيث قال : " فرجعت إلى فاطمة فشققتها ، فقالت : ماذا جئت به ؟ قلت نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبسها فالبسيها واكسي نساءك " وفي هذه الرواية أن عليا إنما شققها بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال أبو محمد بن قتيبة : المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفاطمة بنت أسد بن هاشم والدة علي ولا أعرف الثالثة . وذكر أبو منصور الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب . وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في " كتاب الهدايا " وعبد الغني بن سعيد في " المبهمات " وابن عبد البر كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم - بتحتانية أوله ثم راء وزن عظيم - عن علي في نحو هذه القصة قال : " فشققت منها أربعة أخمرة " فذكر الثلاث المذكورات ، قال : ونسي يزيد الرابعة . وفي رواية الطحاوي " خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي ، وخمارا لفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب ، وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها " فقال عياض لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة ، وقيل : بنت عتبة بن ربيعة ، وقيل : بنت الوليد بن عتبة . وامرأة عقيل هذه هي التي لما تخاصمت مع عقيل بعث عثمان معاوية وابن عباس حكمين بينهما ذكره مالك في " المدونة " وغيره ، واستدل بهذا الحديث على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل الحلة إلى علي فبنى علي على ظاهر الإرسال فانتفع بها في أشهر ما صنعت له وهو اللبس ، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يبح له لبسها وإنما بعث بها إليه ليكسوها غيره ممن تباح له ، وهذا كله إن كانت القصة وقعت بعد النهي عن لبس الرجال الحرير ، وسيأتي مزيد لهذا في الحديث الذي بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية