صفحة جزء
باب قص الشارب وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد ويأخذ هذين يعني بين الشارب واللحية

5549 حدثنا المكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع ح قال أصحابنا عن المكي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من الفطرة قص الشارب
قوله : ( باب قص الشارب ) هذه الترجمة وما بعدها إلى آخر كتاب اللباس لها تعلق باللباس من جهة الاشتراك في الزينة ، فذكر أولا التراجم المتعلقة بالشعور وما شاكلها ، وثانيا المتعلقة بالتطيب ، وثالثا المتعلقة بتحسين الصورة ورابعا المتعلقة بالتصاوير لأنها قد تكون في الثياب ، وختم بما يتعلق بالارتداف وتعلقه به خفي وتعلقه بكتاب الأدب الذي يليه ظاهر والله أعلم . وأصل القص تتبع الأثر ، وقيده ابن سيده في " المحكم " بالليل ، والقص أيضا إيراد الخبر تاما على من لم يحضره ، ويطلق أيضا على قطع شيء من شيء بآلة مخصوصة ، والمراد به هنا الشعر النابت على الشفة العليا من غير استئصال ، وكذا قص الظفر أخذ أعلاه من غير استئصال .

قوله : ( وكان ابن عمر ) كذا لأبي ذر والنسفي وهو المعتمد ، ووقع للباقين " وكان عمر " - قلت : وهو خطأ فإن المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه .

قوله : ( يحفي شاربه ) بالحاء المهملة والفاء ثلاثيا ورباعيا من الإحفاء أو الحفو والمراد الإزالة .

قوله : ( حتى يرى بياض الجلد ) وصله أبو بكر الأثرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال " رأيت ابن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئا " . وأخرج الطبري من طريق عبد الله بن أبي عثمان " رأيت ابن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله " وهذا يرد تأويل من تأول في أثر ابن عمر أن المراد به إزالة ما على طرف الشفة فقط .

[ ص: 348 ] قوله : ( ويأخذ هذين يعني بين الشارب واللحية ) كذا وقع في التفسير في الأصل ، وقد ذكره رزين في جامعه من طريق نافع عن ابن عمر جازما بالتفسير المذكور ، وأخرج البيهقي نحوه ، وقوله " بين " كذا للجميع إلا أن عياضا ذكر أن محمد بن أبي صفرة رواه بلفظ " من " التي للتبعيض ، والأول هو المعتمد .

قوله : ( حدثنا المكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع . قال أصحابنا عن المكي : عن ابن عمر ) كذا للجميع ، والمعنى أن شيخه مكي بن إبراهيم حدثه به عن حنظلة وهو ابن أبي سفيان الجمحي عن نافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا لم يذكر ابن عمر في السند ، وحدث به غير البخاري عن مكي موصولا بذكر ابن عمر فيه وهو المراد بقول البخاري " قال أصحابنا " هذا هو المعتمد وبهذا جزم شيخنا ابن الملقن - رحمه الله - لكن قال : ظهر لي أنه موقوف على نافع في هذه الطريق ، وتلقى ذلك من الحميدي فإنه جزم بذلك في " الجمع " وهو محتمل وأما الكرماني فزعم أن الرواية الثانية منقطعة لم يذكر فيها بين مكي وابن عمر أحدا فقال : المعنى أن البخاري قال : روى أصحابنا الحديث منقطعا فقالوا حدثنا مكي عن ابن عمر فطرحوا ذكر الراوي الذي بينهما ، كذا قال ، وهو وإن كان ظاهر ما أورد البخاري لكن تبين من كلام الأئمة أنه موصول بين مكي وابن عمر . وقال الزركشي : هذا الموضع مما يجب أن يعتني به الناظر ، وهو ماذا الذي أراد بقوله " قال أصحابنا عن المكي عن ابن عمر " فيحتمل أنه رواه مرة عن شيخه مكي عن نافع مرسلا ومرة عن أصحابه مرفوعا عن ابن عمر ، ويحتمل أن بعضهم نسب الراوي عن ابن عمر إلى أنه المكي ا ه . وهذا الثاني هو الذي جزم به الكرماني ، وهو مردود ، ثم قال الزركشي : ويشهد للأول أن البخاري ربما روى عن المكي بالواسطة كما تقدم في البيوع ، ووقع له في كتابه نظائر لذلك ، منها ما سيأتي قريبا في " باب الجعد " حيث قال " حدثنا مالك بن إسماعيل " فذكر حديثا ثم قال في آخره " قال بعض أصحابي عن مالك بن إسماعيل " فذكر زيادة في المتن ، ونظيره في الاستئذان في " باب قوله قوموا إلى سيدكم " . قلت : وهو قوله " حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة " فذكر حديثا وقال في آخره : " أفهمني بعض أصحابي عن أبي الوليد " فذكر كلمة في المتن . وقريب منه ما سبق في المناقب في ذكر أسامة بن زيد حيث قال : " حدثنا سليمان بن عبد الرحمن " فذكر حديثا وقال في آخره " حدثني بعض أصحابنا عن سليمان " فذكر زيادة في المتن أيضا . قلت : والفرق بين هذه المواضع وبين حديث الباب أن الاختلاف في الباب وقع في الوصل والإرسال ، والاختلاف في غيره وقع بالزيادة في المتن ، لكن اشترك الجميع في مطلق الاختلاف ، والله أعلم . وقد أورد البخاري الحديث المذكور في الباب الذي يليه من طريق إسحاق بن سليمان عن حنظلة موصولا مرفوعا ، لكنه نزل فيه درجة ، وطريق مكي وقعت لنا في " مسند ابن عمر " لأبي أمية الطرسوسي قال ، " حدثنا مكي بن إبراهيم " فذكره موصولا مرفوعا وزاد فيه بعد قوله قص الشارب والظفر وحلق العانة ، وكذا أخرجه البيهقي في " الشعب " من وجه آخر عن مكي . قلت : وهذا الحديث أغفله المزي في " الأطراف " فلم يذكره في ترجمة حنظلة عن نافع عن ابن عمر لا من طريق مكي ولا من طريق إسحاق بن سليمان ، ثم بعد أن كتب هذا ذكر لي محدث حلب الشيخ برهان الدين الحلبي أن شيخنا البلقيني قال له : القائل " قال أصحابنا " هو البخاري ، والمراد بالمكي حنظلة بن أبي سفيان الجمحي فإنه مكي ، قال : والسندان متصلان ، وموضع الاختلاف بيان أن مكي بن إبراهيم لما حدث به البخاري سمى حنظلة ، وأما أصحاب البخاري فلما رووه له عن حنظلة لم يسموه بل قالوا : " عن المكي " قال فالسند الأول مكي عن حنظلة عن نافع عن ابن عمر ، والثاني أصحابنا عن المكي عن نافع عن ابن عمر ، ثم قال : وفي فهم ذلك صعوبة ، وكأنه كان يتبجح بذلك ، ولقد [ ص: 349 ] صدق فيما ذكر من الصعوبة ومقتضاه أن يكون عند البخاري جماعة لقوا حنظلة وليس كذلك ، فإن الذي سمع من حنظلة هذا الحديث لا يحدث البخاري عنه إلا بواسطة وهو إسحاق بن سليمان الرازي ، وكانت وفاته قبل طلب البخاري الحديث ، قال ابن سعد مات سنة تسع وتسعين ومائة ، وقال ابن نافع وابن حبان مات سنة مائتين ، وقد أفصح أبو مسعود في " الأطراف " بالمراد فقال في ترجمة حنظلة عن نافع عن ابن عمر حديث من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظافر وقص الشارب خ في اللباس " عن أحمد بن أبي رجاء عن إسحاق بن سليمان عن حنظلة عن نافع عن ابن عمر ، وعن مكي بن إبراهيم عن حنظلة عن نافع " قال : " وقال أصحابنا عن مكي عن حنظلة عن نافع عن ابن عمر " فصرح بأن مراد البخاري بقوله عن المكي المكي بن إبراهيم وأن مراده بقوله عن ابن عمر بالسند المذكور وهو عن حنظلة عن نافع عنه . والحاصل أنه كما قدمته أن مكي بن إبراهيم لما حدث به البخاري أرسله ، ولما حدث به غير البخاري وصله ، فحكى البخاري ذلك ثم ساقه موصولا من طريق إسحاق بن سليمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية