صفحة جزء
5649 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني عبد الله بن أبي بكر أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته قالت جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له سترا من النار
الحديث الثاني قوله : ( عبد الله بن أبي بكر ) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم ، ومضى في الزكاة من رواية ابن المبارك عن معمر " عبد الله بن أبي بكر بن حزم " فنسب أباه لجد أبيه وإدخال الزهري بينه وبين عروة رجلا مما يؤذن بأنه قليل التدليس ، وقد أخرجه الترمذي مختصرا من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن معمر [ ص: 442 ] بإسقاط عبد الله بن أبي بكر من السند ، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون الزهري سمعه من عروة مختصرا وسمعه عنه مطولا وإلا فالقول ما قال ابن المبارك .

قوله : ( جاءتني امرأة ومعها بنتان ) لم أقف على أسمائهن ، وسقطت الواو لغير أبي ذر من قوله : " ومعها " وكذا هو في رواية ابن المبارك .

قوله : ( فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ) زاد معمر " ولم تأكل منها شيئا " .

قوله : ( ثم قامت فخرجت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته ) هكذا في رواية عروة . ووقع في رواية عراك بن مالك عن عائشة " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهن تمرة ، ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فنشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها ، فأعجبني شأنها " الحديث أخرجه مسلم . وللطبراني من حديث الحسن بن علي نحوه ، ويمكن الجمع بأن مرادها بقوله في حديث عروة فلم تجد عندي غير تمرة واحدة أي أخصها بها ، ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الحال سوى واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين ، ويحتمل تعدد القصة .

قوله : ( من يلي من هذه البنات شيئا ) كذا للأكثر بتحتانية مفتوحة أوله من الولاية ، وللكشميهني بموحدة مضمومة من البلاء ، وفي رواية الكشميهني أيضا بشيء وقواه عياض وأيده برواية شعيب بلفظ من ابتلي وكذا وقع في رواية معمر عند الترمذي ، واختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلي بما يصدر منهن ، وكذلك هل هو على العموم في البنات ، أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به .

قوله : ( فأحسن إليهن ) هذا يشعر بأن المراد بقوله في أول الحديث : " من هذه " أكثر من واحدة ، وقد وقع في حديث أنس عند مسلم من عال جاريتين ولأحمد من حديث أم سلمة من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قرابة يحتسب عليهما والذي يقع في أكثر الروايات بلفظ الإحسان وفي رواية عبد المجيد فصبر عليهن ، ومثله في حديث عقبة بن عامر في " الأدب المفرد " وكذا وقع في ابن ماجه وزاد وأطعمهن وسقاهن وكساهن وفي حديث ابن عباس عند الطبراني فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن وفي حديث جابر عند أحمد وفي الأدب المفرد يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن زاد الطبري فيه ويزوجهن وله نحوه من حديث أبي هريرة في " الأوسط " وللترمذي وفي " الأدب المفرد " من حديث أبي سعيد فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن وهذه الأوصاف يجمعها لفظ " الإحسان " الذي اقتصر عليه في حديث الباب ، وقد اختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه ؟ والظاهر الثاني ، فإن عائشة أعطت المرأة التمرة فآثرت بها ابنتيها فوصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإحسان بما أشار إليه من الحكم المذكور ، فدل على أن من فعل معروفا لم يكن واجبا عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عد محسنا ، والذي يقتصر على الواجب وإن كان يوصف بكونه محسنا لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد ، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه ، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره كما أشير إليه في بعض ألفاظ الحديث ، والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله ، وقد جاء أن الثواب المذكور يحصل لمن أحسن لواحدة فقط ففي حديث ابن عباس المتقدم " فقال رجل من الأعراب : أو اثنتين ؟ فقال : أو اثنتين " وفي حديث عوف بن مالك عند الطبراني " فقالت امرأة " وفي حديث جابر " وقيل " وفي حديث أبي هريرة " قلنا " وهذا يدل على تعدد السائلين ، وزاد [ ص: 443 ] في حديث جابر " فرأى بعض القوم أن لو قال وواحدة لقال وواحدة " وفي حديث أبي هريرة قلنا : وثنتين ؟ قال : وثنتين . قلنا : وواحدة ؟ قال : وواحدة " وشاهده حديث ابن مسعود رفعه من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعمة الله التي أوسع عليه أخرجه الطبراني بسند واه .

قوله : ( كن له سترا من النار ) كذا في أكثر الأحاديث التي أشرت إليها ، ووقع في رواية عبد المجيد حجابا وهو بمعناه . وفي الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن ، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال . قال ابن بطال : وفيه جواز سؤال المحتاج ، وسخاء عائشة لكونها لم تجد إلا تمرة فآثرت بها ، وأن القليل لا يمتنع التصدق به لحقارته ، بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسر له قل أو كثر . وفيه جواز ذكر المعروف إن لم يكن على وجه الفخر ولا المنة . وقال النووي تبعا لابن بطال : إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات ، فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ، ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن . وقال شيخنا في " شرح الترمذي " : يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا الاختبار ، أي من اختبر بشيء من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسيء ، ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى ، فإن من لا يتقي الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه ، أو يقصر عما أمر بفعله ، أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية