صفحة جزء
باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه يوبقهن يهلكهن موبقا مهلكا

5670 حدثنا عاصم بن علي حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوايقه تابعه شبابة وأسد بن موسى وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة
قوله : ( باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه ) البوائق بالموحدة والقاف جمع بائقة وهي الداهية والشيء المهلك والأمر الشديد الذي يوافي بغتة .

قوله : ( يوبقهن يهلكهن ، موبقا مهلكا ) هما أثران قال أبو عبيدة في قوله - تعالى - : أو يوبقهن بما كسبوا قال : يهلكهن . وقال في قوله - تعالى - : وجعلنا بينهم موبقا أي متوعدا . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله - تعالى - : وجعلنا بينهم موبقا أي مهلكا .

قوله : ( عن سعيد ) هو المقبري ، ووقع منسوبا غير مسمى عند الإسماعيلي عن محمد بن يحيى بن سليمان عن عاصم بن علي شيخ البخاري فيه ، وأخرجه أبو نعيم من طريق عمر بن حفص ومن طريق إبراهيم الحربي كلاهما عن عاصم بن علي مسمى منسوبا قال : " عن سعيد المقبري " .

قوله : ( عن أبي شريح ) هو الخزاعي ، ووقع كذلك عند أبي نعيم واسمه على المشهور خويلد وقيل عمرو وقيل : هانئ وقيل : كعب .

قوله : ( والله لا يؤمن ) وقع تكريرها ثلاثا صريحا ، ووقع عند أحمد والله لا يؤمن ثلاثا وكأنه اختصار من الراوي ، ولأبي يعلى من حديث أنس ما هو بمؤمن وللطبراني من حديث كعب بن مالك لا يدخل الجنة ولأحمد نحوه عن أنس بسند صحيح .

قوله : ( قيل : يا رسول الله ومن ) ؟ هذه الواو يحتمل أن تكون زائدة أو استئنافية أو عاطفة على شيء مقدر أي [ ص: 458 ] عرفنا ما المراد مثلا ومن المحدث عنه ، ووقع لأحمد من حديث ابن مسعود أنه السائل عن ذلك ، وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ " قالوا يا رسول الله لقد خاب وخسر من هو " وعزاه للبخاري وحده ، وما رأيته فيه بهذه الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع .

قوله : ( قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه ) في حديث أنس من لم يأمن وفي حديث كعب من خاف زاد أحمد والإسماعيلي " قالوا : وما بوائقه ؟ قال : شره " وعند المنذري هذه الزيادة للبخاري ولم أرها فيه .

( تنبيه ) : في المتن جناس بليغ وهو من جناس التحريف ، وهو قوله : لا يؤمن ولا يأمن فالأول من الإيمان والثاني من الأمان .

قوله : ( تابعه شبابة وأسد بن موسى ) يعني عن ابن أبي ذئب في ذكر أبي شريح ، فأما رواية شبابة وهو ابن سوار المدايني فأخرجها الإسماعيلي ، وأما رواية أسد بن موسى وهو الأموي المعروف بأسد السنة فأخرجها الطبراني في " مكارم الأخلاق " .

قوله : ( وقال حميد بن الأسود وعثمان بن عمر وأبو بكر بن عياش وشعيب بن إسحاق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة ) يعني اختلف أصحاب ابن أبي ذئب عليه في صحابي هذا الحديث فالثلاثة الأول قالوا فيه عن أبي شريح ، والأربعة قالوا عن أبي هريرة . وقد نقل أبو معين الرازي عن أحمد أن من سمع من ابن أبي ذئب بالمدينة فإنه يقول عن أبي هريرة ، ومن سمع منه ببغداد فإنه يقول عن أبي شريح قلت : ومصداق ذلك أن ابن وهب وعبد العزيز الدراوردي وأبا عمرو العقدي وإسماعيل بن أبي أويس وابن أبي فديك ومعن بن عيسى إنما سمعوا من ابن أبي ذئب بالمدينة وقد قالوا كلهم فيه : " عن أبي هريرة " وقد أخرجه الحاكم من رواية ابن وهب ومن رواية إسماعيل ومن رواية الدراوردي ، وأخرجه الإسماعيلي من رواية معن والعقدي وابن أبي فديك وأما حميد بن الأسود وأبو بكر بن عياش اللذان علقه البخاري من طريقهما فهما كوفيان وسماعهما من ابن أبي ذئب أيضا بالمدينة لما حجا ، وأما عثمان بن عمر فهو بصري وقد أخرج أحمد الحديث عنه كذلك ، وأما رواية شعيب بن إسحاق فهو شامي وسماعه من ابن أبي ذئب أيضا بالمدينة ، وقد أخرجه أحمد أيضا عن إسماعيل بن عمر فقال : " عن أبي هريرة " وإسماعيل واسطي . وممن سمعه ببغداد من ابن أبي ذئب يزيد بن هارون وأبو داود الطيالسي وحجاج بن محمد وروح بن عبادة وآدم بن أبي إياس وقد قالوا كلهم " عن أبي شريح " وهو في مسند الطيالسي كذلك ، وعند الإسماعيلي من رواية يزيد ، وعند الطبراني من رواية آدم ، وعند أحمد من رواية حجاج وروح بن عبادة ، ويزيد واسطي سكن بغداد ، وأبو داود وروح بصريان وحجاج بن محمد مصيصي ، وآدم عسقلاني ، وكانوا كلهم يقدمون بغداد ويطلبون بها الحديث ، وإذا تقرر ذلك فالأكثر قالوا فيه : " عن أبي هريرة " فكان ينبغي ترجيحهم . ويؤيده أن الراوي إذا حدث في بلده كان أتقن لما يحدثه به في حال سفره ، ولكن عارض ذلك أن سعيدا المقبري مشهور بالرواية عن أبي هريرة فمن قال عنه : " عن أبي هريرة " سلك الجادة ، فكانت مع من قال عنه : " عن أبي شريح " زيادة علم ليست عند الآخرين ، وأيضا فقد وجد معنى الحديث من رواية الليث عن سعيد المقبري عن أبي شريح كما سيأتي بعد باب ، فكانت فيه تقوية لمن رآه عن ابن أبي ذئب فقال فيه " عن أبي شريح " ومع ذلك فصنيع البخاري يقتضي تصحيح الوجهين ، وإن كانت الرواية عند أبي شريح أصح . وقد أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة ذاهلا عن الذي أورده البخاري بل وعن تخريج مسلم له من وجه آخر عن أبي هريرة فقال بعد تخريجه : صحيح [ ص: 459 ] على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ وإنما أخرجاه من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه وتعقبه شيخنا في أماليه بأنهما لم يخرجا طريق أبي الزناد ولا واحد منهما . وإنما أخرج مسلم طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة باللفظ الذي ذكره الحاكم . قلت : وعلى الحاكم تعقب آخر وهو أن مثل هذا لا يستدرك لقرب اللفظين في المعنى ، قال ابن بطال : في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، وتكريره اليمين ثلاث مرات ، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل ومراده الإيمان الكامل ، ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان . وقال النووي عن نفي الإيمان في مثل هذا جوابان :

أحدهما : أنه في حق المستحل ،

والثاني : أن معناه ليس مؤمنا كاملا ا ه . ويحتمل أن يكون المراد أنه لا يجازى مجازاة المؤمن بدخول الجنة من أول وهلة مثلا ، أو أن هذا خرج مخرج الزجر والتغليظ ، وظاهره غير مراد ، والله أعلم . وقال ابن أبي جمرة : إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه وأمر بحفظه وإيصال الخير إليه وكف أسباب الضرر عنه فينبغي له أن يراعي حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات ، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات ، فينبغي مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات والمواظبة على اجتناب المعصية ، فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران ا ه ملخصا .

التالي السابق


الخدمات العلمية