صفحة جزء
5698 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن عبد الله بن بريدة حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك
قوله : ( عن الحسين ) هو ابن ذكوان المعلم ، والإسناد إلى أبي ذر بصريون وقد دخلها هو أيضا ، وفي رواية مسلم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث " حدثنا أبي ، حدثنا الحسين المعلم " .

قوله : ( عن أبي ذر ) في رواية الإسماعيلي من وجهين " عن أبي معمر " شيخ البخاري فيه بالسند إلى أبي الأسود أن أبا ذر حدثه .

قوله : ( لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كما قال ) وفي رواية للإسماعيلي إلا حار عليه وفي أخرى إلا ارتدت عليه يعني رجعت عليه و " حار " بمهملتين أي رجع ، وهذا يقتضي أن من قال لآخر أنت فاسق أو قال له أنت كافر فإن كان ليس كما قال كان هو المستحق [ ص: 481 ] للوصف المذكور ، وأنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال ، ولكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقا ولا كافرا أن لا يكون آثما في صورة قوله له أنت فاسق بل في هذه الصورة تفصيل : إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز ، وإن قصد تعييره وشهرته بذلك ومحض أذاه لم يجز ; لأنه مأمور بالستر عليه وتعليمه وعظته بالحسنى ، فمهما أمكنه ذلك بالرفق لا يجوز له أن يفعله بالعنف لأنه قد يكون سببا لإغرائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الأنفة ، ولا سيما إن كان الآمر دون المأمور في المنزلة . ووقع في رواية مسلم بلفظ ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ذكره في أثناء حديث في ذم من ادعى إلى غير أبيه ، وقد تقدم صدره في مناقب قريش بالإسناد المذكور هنا ، فهو حديث واحد فرقه البخاري حديثين ، وسيأتي هذا المتن في " باب من أكفر أخاه بغير تأويل " من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عمر بلفظ فقد باء بها أحدهما وهو بمعنى رجع أيضا ، قال النووي : اختلف في تأويل هذا الرجوع فقيل رجع عليه الكفر إن كان مستحلا ، وهذا بعيد من سياق الخبر ، وقيل : محمول على الخوارج لأنهم يكفرون المؤمنين هكذا نقله عياض عن مالك وهو ضعيف . لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يكفرون ببدعتهم . قلت : ولما قاله مالك وجه ، وهو أن منهم من يكفر كثيرا من الصحابة ممن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وبالإيمان فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل كما سيأتي إيضاحه في " باب من أكفر أخاه بغير تأويل " والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم ، وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم . وقيل : معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره ، وهذا لا بأس به . وقيل : يخشى عليه أن يئول به ذلك إلى الكفر كما قيل : المعاصي بريد الكفر ، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة ، وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك كما سيأتي تقريره ، فمعنى الحديث فقد رجع عليه تكفيره ، فالراجع التكفير لا الكفر ، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله ، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام ، ويؤيده أن في بعض طرقه " وجب الكفر على أحدهما " وقال القرطبي : حيث جاء الكفر في لسان الشرع فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية ، وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه كما تقدم تقريره في كتاب الإيمان في " باب كفر دون كفر " وفي حديث أبي سعيد يكفرن الإحسان ويكفرن العشير قال وقوله باء بها أحدهما أي رجع بإثمها ولازم ذلك ، وأصل البوء اللزوم ، ومنه : أبوء بنعمتك أي ألزمها نفسي وأقر بها قال : والهاء في قوله : " بها " راجع إلى التكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر ، ويحتمل أن يعود إلى الكلمة . والحاصل أن المقول له إن كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب بها المقول له ، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه ، كذا اقتصر على هذا التأويل في رجع ، وهو من أعدل الأجوبة ، وقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء بسند جيد رفعه إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ، فتغلق أبواب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتأخذ يمنة ويسرة ، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها وله شاهد عند أحمد من حديث ابن مسعود بسند حسن وآخر عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس ورواته ثقات ، ولكنه أعل بالإرسال ،

التالي السابق


الخدمات العلمية