صفحة جزء
باب هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا

5729 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر وقال الليث حدثني عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لم يكن يأتينا فيها قال أبو بكر ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قال إني قد أذن لي بالخروج
قوله : ( باب هل يزور صاحبه كل يوم ، أو بكرة وعشيا ) قيل : العشي من الزوال إلى العتمة وقيل إلى [ ص: 514 ] الفجر فقال ابن فارس : العشاء بالفتح والمد الطعام وبالكسر من الزوال إلى العتمة ، والعشي من الزوال إلى الفجر .

قوله : ( هشام ) هو ابن يوسف .

قوله : ( عن معمر وقال الليث حدثني عقيل ) وفي بعض النسخ ح " وقال الليث " وهذا التعليق سبق مطولا في " باب الهجرة إلى المدينة " موصولا عن يحيى بن بكير عن الليث .

قوله : ( قال ابن شهاب فأخبرني عروة ) كأن هذا سياق معمر ، وكأنه كان عنده قبل قوله " لم أعقل أبوي " كلام آخر فعطف هذا عليه . وقد وقع عند أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب " قال وأخبرني " كذا رأيته فيه بالواو ، وأما رواية عقيل فلفظه في " باب الهجرة إلى المدينة " عن ابن شهاب " أخبرني عروة عن عائشة قالت " لم أعقل إلخ " وقد استشكل كون أبي بكر كان يحوج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يتكلف المجيء إليه وكان يمكنه هو أن يفعل ذلك ، وأجاب ابن التين بأنه لم يكن يجيء إلى أبي بكر لمجرد الزيارة بل لما يتزايد عنده من علم الله ، ولم يتضح لي هذا الجواب ، ويحتمل أن يقال : إنه ليس في الخبر ما يمنع أن أبا بكر كان يجيء إليه - صلى الله عليه وسلم - في الليل والنهار أكثر من مرتين ، ويحتمل أن يقال : كان سبب ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جاء إلى بيت أبي بكر يأمن من أذى المشركين بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه . ويحتمل أن يكون منزل أبي بكر كان بين بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المسجد فكان يمر به والمقصود المسجد وكان يشهده كلما مر به ، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في " باب الهجرة إلى المدينة " وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور زر غبا تزدد حبا وقد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال ، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره ، وجاء من حديث علي وأبي ذر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي برزة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر وحبيب بن مسلمة ومعاوية بن حيدة ، وقد جمعتها في جزء مفرد ، وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " والخطيب في " تاريخ بغداد " والحافظ أبو محمد بن السقاء في فوائده من طريق أبي عقيل يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وأبو عقيل كوفي مشهور بكنيته ، قاله ابن أبي حاتم : سمع منه أبي وهو صدوق ، وذكر ابن حبان في الثقات وقال : ربما أخطأ وأغرب . قلت : واختلف عليه في رفعه ووقفه ، وقد رفعه أيضا يعقوب بن شيبة عن جعفر بن عون رويناه في " فوائد أبي محمد بن السقاء " أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جده يعقوب ، واختلف فيه على جعفر بن عون فرواه عبد بن حميد في تفسيره عنه عن أبي حبان الكلبي عن عطاء عن عبيد بن عمير موقوفا في قصة له مع عائشة ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال " دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت : يا عبيد بن عمير ما يمنعك أن تزورنا ؟ قال : قول الأول زر غبا تزدد حبا . فقال عبد الله بن عمير : دعونا من بطالتكم هذه وأخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت الحديث في صلاته ، وذكر أبو عبيدة في الأمثال بأنه من أمثال العرب ، وكان هذا الكلام شائعا في المتقدمين ، فرويناه في فوائد أبي محمد السقاء قال أنشدونا لهلال بن العلاء :

الله يعلم أنني لك أخلص الثقلين قلبا     لكن لقول نبينا
زوروا على الأيام غبا [ ص: 515 ]     ولقوله من زار غ
با منكم يزداد حبا

قلت : وكان يمكنه أن يوجز فيقول : "

لكن لقول نبينا     من زار غبا زاد حبا

. وقد أنشدونا لأبي محمد بن هارون القرطبي راوي الموطأ :

أقل زيارة الإخوا     ن تزدد عندهم قربا
. فإن المصطفى قد قا     ل زر غبا تزد حبا

قلت ولا منافاة بين هذا الحديث وحديث الباب لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من ليست له خصوصية مودة ثابتة فلا ينقص كثرة زيارته من منزلته . قال ابن بطال : الصديق الملاطف لا يزيده كثرة الزيارة إلا محبة ، بخلاف غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية