صفحة جزء
باب الأذان بعد ذهاب الوقت

570 حدثنا عمران بن ميسرة قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرست بنا يا رسول الله قال أخاف أن تناموا عن الصلاة قال بلال أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال يا بلال أين ما قلت قال ما ألقيت علي نومة مثلها قط قال إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى
[ ص: 80 ] قوله : ( باب الأذان بعد ذهاب الوقت ) سقط لفظ " ذهاب " من رواية المستملي ، قال ابن المنير : إنما صرح المؤلف بالحكم على خلاف عادته في المختلف فيه لقوة الاستدلال من الخبر على الحكم المذكور .

قوله : ( حدثنا حصين ) هو ابن عبد الرحمن الواسطي .

قوله : ( سرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة ) كان ذلك في رجوعه من خيبر ، كذا جزم به بعض الشراح معتمدا على ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة ، وفيه نظر ، لما بينته في " باب الصعيد الطيب " من كتاب التيمم . ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه في أوله " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسير بنا " وزاد مسلم من طريق عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه - صلى الله عليه وسلم - نعس حتى مال عن راحلته ، وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات ، وأنه في الأخيرة مال عن الطريق فنزل في سبعة أنفس فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم " لو عرست بنا " ولا قول بلال " أنا أوقظكم " ولم أقف على تسمية هذا السائل . والتعريس نزول المسافر لغير إقامة ، وأصله نزول آخر الليل . وجواب " لو " محذوف تقديره : لكان أسهل علينا .

قوله : ( أنا أوقظكم ) زاد مسلم في رواية " فمن يوقظنا ؟ قال بلال : أنا " .

قوله : ( فغلبته عيناه ) في رواية السرخسي " فغلبت " بغير ضمير .

قوله : ( فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد طلع حاجب الشمس ) في رواية مسلم " فكان أول من استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس في ظهره " .

قوله : ( يا بلال أين ما قلت ؟ ) أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم .

قوله : ( مثلها ) أي مثل النومة التي وقعت له .

قوله : ( إن الله قبض أرواحكم ) هو كقوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ولا يلزم من قبض الروح الموت ، فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا ، والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط . زاد مسلم أما إنه ليس في النوم تفريط الحديث .

[ ص: 81 ] قوله : ( حين شاء ) حين في الموضعين ليس لوقت واحد ، فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون ، فيكون حين الأولى خبرا عن أحيان متعددة .

قوله : ( قم فأذن بالناس بالصلاة ) كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما ، وللكشميهني فآذن بالمد وحذف الموحدة من " بالناس " . وآذن معناه أعلم وسيأتي ما فيه بعد .

قوله : ( فتوضأ ) زاد أبو نعيم في المستخرج " فتوضأ الناس ، فلما ارتفعت " ، في رواية المصنف في التوحيد من طريق هشيم عن حصين " فقضوا حوائجهم فتوضئوا إلى أن طلعت الشمس " وهو أبين سياقا ، ونحوه لأبي داود من طريق خالد عن حصين ، ويستفاد منه أن تأخيره الصلاة إلى أن طلعت الشمس وارتفعت كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم ، لا لخروج وقت الكراهة .

قوله : ( وابياضت ) وزنه افعال بتشديد اللام مثل احمار وابهار ، أي صفت . وقيل إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين ، فأما الخالص من البياض مثلا فإنما يقال له أبيض .

قوله : ( فصلى ) زاد أبو داود " بالناس " . وفي الحديث من الفوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها ولكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض وأن على الإمام أن يراعي المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه ، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد ، وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ ، وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام ، وتوجهت المطالبة على بلال بذلك تنبيها له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار ، وإنما بادر بلال إلى قوله " أنا أوقظكم " اتباعا لعادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان ، وفيه خروج الإمام بنفسه في الغزوات والسرايا ، وفيه الرد على منكري القدر وأنه لا واقع في الكون إلا بقدر .

وفي الحديث أيضا ما ترجم له وهو الأذان للفائتة ، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر ، وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد : لا يؤذن لها ، والمختار عند كثير من أصحابه أن يؤذن لصحة الحديث . وحمل الأذان هنا على الإقامة متعقب ، لأنه عقب الأذان بالوضوء ثم بارتفاع الشمس ، فلو كان المراد به الإقامة لما أخر الصلاة عنها . نعم يمكن حمله على المعنى اللغوي وهو محض الإعلام ولا سيما على رواية الكشميهني . وقد روى أبو داود وابن المنذر من حديث عمران بن حصين في نحو هذه القصة فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ، ثم أمره . فأقام فصلى الغداة وسيأتي الكلام على الحديث الذي احتج به من لم ير التأذين في الباب بعد هذا .

وفيه مشروعية الجماعة في الفوائت وسيأتي في الباب الذي بعده أيضا ، واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة لأنه لم يذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر ، ولا دلالة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع ، لا سيما وقد ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم ، وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع ، واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح قال : لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أحدا بمراقبة وقت صلاة غيرها ، وفيما قاله نظر لا يخفى ، قال : ويدل على أنها هي المأمور بالمحافظة عليها أنه - صلى الله عليه وسلم - لم تفته صلاة غيرها لغير عذر شغله عنها اهـ . وهو كلام متدافع ، فأي عذر أبين من النوم ، واستدل به على قبول خبر الواحد ، قال ابن بزيزة [ ص: 82 ] وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرجع إلى قول بلال بمجرده ، بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلا ، وفيه جواز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلا ، وقد تقدم ذلك مع بقية فوائده في " باب الصعيد الطيب " من كتاب التيمم .

التالي السابق


الخدمات العلمية