1. الرئيسية
  2. فتح الباري شرح صحيح البخاري
  3. الاستئذان
  4. باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها
صفحة جزء
باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال اصرف بصرك عنهن قول الله عز وجل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقال قتادة عما لا يحل لهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري

5874 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سليمان بن يسار أخبرني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال نعم
[ ص: 10 ] قوله باب قول الله - تعالى - ) في رواية أبي ذر " قوله - تعالى - " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم إلى قوله - تعالى - : وما تكتمون ، وساق في رواية كريمة والأصيلي الآيات الثلاث والمراد بالاستئناس في قوله - تعالى - : حتى تستأنسوا ؛ الاستئذان بتنحنح ونحوه عند الجمهور وأخرج الطبري من طريق مجاهد : حتى تستأنسوا تتنحنحوا أو تتنخموا ومن طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس يتكلم ويرفع صوته " .

وأخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف من حديث أبي أيوب قال قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئناس ؟ قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت . وأخرج الطبري من طريق قتادة قال الاستئناس هو الاستئذان ثلاثا فالأولى ليسمع والثانية ليتأهبوا له والثالثة إن شاءوا أذنوا له وإن شاءوا ردوا . والاستئناس في اللغة طلب الإيناس وهو من الأنس بالضم ضد الوحشة وقد تقدم في أواخر النكاح في حديث عمر الطويل في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وفيه " فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم . قال فجلس " .

وقال البيهقي : معنى تستأنسوا تستبصروا ليكون الدخول على بصيرة فلا يصادف حالة يكره صاحب المنزل أن يطلعوا عليها وأخرج من طريق الفراء قال الاستئناس في كلام العرب معناه انظروا من في الدار . وعن الحليمي : معناه حتى تستأنسوا بأن تسلموا وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس : كان يقرأ حتى تستأذنوا " ويقول أخطأ الكاتب وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب ، ومن طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في مصحف ابن مسعود : حتى تستأذنوا .

وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة عن إبراهيم في مصحف عبد الله : " حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا " وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في " أحكام القرآن " عن ابن عباس واستشكله وكذا طعن في صحته جماعة ممن بعده وأجيب بأن ابن عباس بناها على قراءته التي تلقاها عن أبي بن كعب وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع الاتفاق على عدم الخروج عما يوافقه وكان قراءة أبي من الأحرف التي تركت للقراءة بها كما تقدم تقريره في فضائل القرآن وقال البيهقي : يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الأولى ثم [ ص: 11 ] نسخت تلاوته يعني ولم يطلع ابن عباس على ذلك

قوله وقال سعيد بن أبي الحسن ) هو البصري أخو الحسن .

قوله : للحسن ) أي لأخيه

قوله إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن قال اصرف بصرك عنهن يقول الله - عز وجل - قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم قال قتادة : عما لا يحل لهم كذا وقع في رواية الكشميهني ووقع في رواية غيره بعد قوله " اصرف بصرك وقول الله - عز وجل ــ : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم إلخ فعلى رواية الكشميهني يكون الحسن استدل بالآية وأورد المصنف أثر قتادة تفسيرا لها وعلى رواية الأكثر تكون ترجمة مستأنفة والنكتة في ذكرها في هذا الباب على الحالين للإشارة إلى أن أصل مشروعية الاستئذان للاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بغير إذن وأعظم ذلك النظر إلى النساء الأجنبيات وأثر قتادة عند ابن أبي حاتم وصله من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد بن أبي عروبة عنه في قوله - تعالى - ويحفظوا فروجهم قال عما لا يحل لهم

قوله وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن كذا للأكثر تخلل أثر قتادة بين الآيتين وسقط جميع ذلك من رواية النسفي فقال بعد قوله حتى تستأنسوا الآيتين وقول الله - عز وجل - قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم الآية وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن .

قوله خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه كذا للأكثر بضم نون " نهي " على البناء للمجهول وفي رواية كريمة " إلى ما نهى الله عنه " وسقط لفظ " من " من رواية أبي ذر وعند ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس في قوله - تعالى - : يعلم خائنة الأعين قال هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غض بصره ، وقد علم الله - تعالى - أنه يود لو اطلع على فرجها وإن قدر عليها لزنى بها ومن طريق مجاهد وقتادة نحوه وكأنهم أرادوا أن هذا من جملة خائنة الأعين .

وقال الكرماني : معنى يعلم خائنة الأعين : أن الله يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل وأما خائنة الأعين التي ذكرت في الخصائص النبوية فهي الإشارة بالعين إلى أمر مباح لكن على خلاف ما يظهر منه بالقول قلت وكذا السكوت المشعر بالتقرير فإنه يقوم مقام القول وبيان ذلك في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال " لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين فذكر منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى أن قال " فأما عبد الله فاختبأ عند عثمان ، فجاء به حتى أوقفه فقال يا رسول الله بايعه فأعرض عنه ثم بايعه بعد الثلاث مرات ثم أقبل على أصحابه ، فقال أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عنه فيقتله فقالوا هلا أومأت قال : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين أخرجه الحاكم من هذا الوجه .

وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " من مرسل سعيد بن المسيب أخصر منه وزاد فيه وكان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله فذكر بقية الحديث نحو حديث ابن عباس ، وأخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن يربوع وله طرق أخرى يشد بعضها بعضا

قوله وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة كذا للأكثر وفي رواية الكشميهني : " في النظر إلى ما لا يحل من النساء لا يصلح [ ص: 12 ] . إلخ " وقال : النظر إليهن وسقط هذا الأثر والذي بعده من رواية النسفي .

قوله وكره عطاء النظر إلى الجواري التي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري وصله ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي قال " سئل عطاء بن أبي رباح عن الجواري التي يبعن بمكة ، فكره النظر إليهن إلا لمن يريد أن يشتري " ووصله الفاكهي في " كتاب مكة " من وجهين عن الأوزاعي وزاد " اللاتي يطاف بهن حول البيت . قال الفاكهي : " زعموا أنهم كانوا يلبسون الجارية ويطوفون بها مسفرة حول البيت ليشهروا أمرها ويرغبوا الناس في شرائها ثم ذكر فيه حديثين مرفوعين الأول حديث ابن عباس

9301 قوله أردف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل ) هو ابن عباس ، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج قال ابن بطال : في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع ، قال ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه ، قال وفيه مغالبة طباع البشر لابن آدم وضعفه عما ركب فيه من الميل إلى النساء والإعجاب بهن .

وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل . قال وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء ، وأن قوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم على الوجوب في غير الوجه .

قلت وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر لأنها كانت محرمة و قوله " عجز راحلته " بفتح العين المهملة وضم الجيم بعدها زاي أي مؤخرها و قوله " وضيئا " : أي لحسن وجهه ونظافة صورته و قوله فأخلف يده " : أي أدارها من خلفه و قوله " بذقن الفضل " بفتح الذال المعجمة والقاف بعدها نون .

قال ابن التين : أخذ منه بعضهم أن الفضل كان حينئذ أمرد وليس بصحيح لأن في الرواية الأخرى " وكان الفضل رجلا وضيئا ؛ فإن قيل سماه رجلا باعتبار ما آل إليه أمره قلنا بل الظاهر أنه وصف حالته حينئذ ويقويه أن ذلك كان في حجة الوداع والفضل كان أكبر من أخيه عبد الله وقد كان عبد الله حينئذ راهق الاحتلام . قلت وثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمه أن يزوج الفضل لما سأله أن يستعمله على الصدقة ليصيب ما يتزوج به ، فهذا يدل على بلوغه قبل ذلك الوقت ولكن لا يلزم منه أن تكون نبتت لحيته كما لا يلزم من كونه لا لحية له أن يكون صبيا الحديث الثاني حديث أبي سعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية