صفحة جزء
باب كيف يرد على أهل الذمة السلام

5901 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قلت وعليكم
قوله باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام ) ؟ في هذه الترجمة إشارة إلى أنه لا منع من رد السلام على أهل الذمة فلذلك ترجم بالكيفية ويؤيده قوله - تعالى - : فحيوا بأحسن منها أو ردوها ؛ فإنه يدل على أن الرد يكون وفق الابتداء إن لم يكن أحسن منه كما تقدم تقريره ودل الحديث على التفرقة في الرد على المسلم والكافر قال ابن بطال : قال قوم : رد السلام على أهل الذمة فرض لعموم الآية .

وثبت عن ابن عباس أنه قال " من سلم عليك فرد عليه ولو كان مجوسيا " وبه قال الشعبي وقتادة ومنع من ذلك مالك والجمهور وقال عطاء : الآية [ ص: 45 ] مخصوصة بالمسلمين فلا يرد السلام على الكافر مطلقا فإن أراد منع الرد بالسلام وإلا فأحاديث الباب ترد عليه الحديث الأول

9347 قوله أن عائشة قالت كذا قال صالح بن كيسان مثله كما تقدم في الأدب وقال سفيان عن الزهري عن عروة " عن عائشة قالت " وسيأتي في استتابة المرتدين

قوله دخل رهط من اليهود ) لم أعرف أسماءهم لكن أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم قال بينما أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال السام عليك يا محمد . فقال وعليكم ؛ فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر الكلام عنهم كما جرت العادة من نسبة القول إلى جماعة والمباشر له واحد منهم ; لأن اجتماعهم ورضاهم به في قوة من شاركه في النطق

قوله فقالوا السام عليك كذا في الأصول بألف ساكنة وسيأتي في الكلام على الحديث الثاني أنه جاء بالهمز وقد تقدم تفسير السوم بالموت في كتاب الطب وقيل هو الموت العاجل

قوله ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة في رواية ابن أبي مليكة عن عائشة كما تقدم في أوائل الأدب : فقالت عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ، ولمسلم من طريق أخرى عنها " بل عليكم السام والذام " بالذال المعجمة وهو لغة في الذم ضد المدح يقال ذم بالتشديد وذام بالتخفيف وذيم بتحتانية ساكنة وقال عياض : لم يختلف الرواة أن الذام في هذا الحديث بالمعجمة ولو روي بالمهملة من الدوام لكان له وجه ولكن كان يحتاج لحذف الواو ليصير صفة للسام .

وقد حكى ابن الأعرابي : الدام لغة في الدائم قال ابن بطال : فسر أبو عبيد السام بالموت وذكر الخطابي أن قتادة تأوله على خلاف ذلك ففي رواية عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن أبي عروبة قال كان قتادة يقول تفسير السام عليكم تسامون دينكم وهو - يعني السام - مصدر سئمه سآمة وسآما ؛ مثل رضعه رضاعة ورضاعا .

قال ابن بطال : ووجدت هذا الذي فسره قتادة مرويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه بقي بن مخلد في تفسيره من طريق سعيد عن قتادة عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينا هو جالس مع أصحابه إذ أتى يهودي فسلم عليه فردوا عليه فقال هل تدرون ما قال قالوا سلم يا رسول الله قال : قال سام عليكم ؛ أي تسامون دينكم قلت يحتمل أن يكون قوله أي تسامون دينكم تفسير قتادة كما بينته رواية عبد الوارث التي ذكرها الخطابي .

وقد أخرج البزار وابن حبان في صحيحه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس : مر يهودي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فسلم عليهم فرد عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل تدرون ما قال قالوا : نعم سلم علينا قال فإنه قال السام عليكم أي تسامون دينكم ردوه علي فردوه فقال كيف قلت قال السام عليكم ، فقال إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم ما قلتم ، لفظ البزار .

وفي رواية ابن حبان : أن يهوديا سلم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أتدرون والباقي نحوه ولم يذكر قوله : ردوه إلخ ، وقال في آخره فإذا سلم عليكم رجل من أهل الكتاب فقولوا وعليك .

قوله : واللعنة يحتمل أن تكون عائشة فهمت كلامهم بفطنتها فأنكرت عليهم وظنت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظن أنهم تلفظوا بلفظ السلام فبالغت في الإنكار عليهم ويحتمل أن يكون سبق لها سماع ذلك من [ ص: 46 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديثي ابن عمر وأنس في الباب وإنما أطلقت عليهم اللعنة إما لأنها كانت ترى جواز لعن الكافر المعين باعتبار الحالة الراهنة لا سيما إذا صدر منه ما يقتضي التأديب وإما لأنها تقدم لها علم بأن المذكورين يموتون على الكفر فأطلقت اللعن ولم تقيده بالموت .

والذي يظهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش أو أنكر عليها الإفراط في السب ، وقد تقدم في أوائل الأدب في باب الرفق ما يتعلق بذلك وسيأتي الكلام على جواز لعن المشرك المعين الحي في " باب الدعاء على المشركين " من كتاب الدعوات - إن شاء الله تعالى

قوله مهلا يا عائشة ) تقدم بشرحه في " باب الرفق " من كتاب الأدب

قوله فقد قلت عليكم ) وكذا في رواية معمر وشعيب عن الزهري عند مسلم بحذف الواو وعنده في رواية سفيان وعند النسائي من رواية أخرى عن الزهري بإثبات الواو قال المهلب : في هذا الحديث جواز انخداع الكبير للمكايد ومعارضته من حيث لا يشعر إذا رجي رجوعه .

قلت في تقييده بذلك نظر لأن اليهود حينئذ كانوا أهل عهد فالذي يظهر أن ذلك كان لمصلحة التآلف الحديث الثاني

التالي السابق


الخدمات العلمية