صفحة جزء
باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت

5911 حدثنا إسحاق أخبرنا بشر بن شعيب حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب أن عبد الله بن عباس أخبره أن عليا يعني ابن أبي طالب خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده العباس فقال ألا تراه أنت والله بعد الثلاث عبد العصا والله إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتوفى في وجعه وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموت فاذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسأله فيمن يكون الأمر فإن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا أمرناه فأوصى بنا قال علي والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمنعنا لا يعطيناها الناس أبدا وإني لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا
قوله : باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت ) كذا للأكثر وسقط لفظ " المعانقة " وواو العطف من رواية النسفي ومن رواية أبي ذر عن المستملي والسرخسي وضرب عليها الدمياطي في أصله

قوله حدثنا إسحاق هو ابن راهويه كما بينته في الوفاة النبوية وقال الكرماني : لعله ابن منصور ؛ لأنه روى عن بشر بن شعيب في " باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

قلت وهو استدلال على الشيء بنفسه لأن الحديث المذكور هناك وهنا واحد والصيغة في الموضعين واحدة فكان حقه إن قام الدليل عنده على أن المراد بإسحاق هناك ابن منصور أن يقول هنا كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية

قوله وحدثنا أحمد بن صالح ) هو إسناد آخر إلى الزهري يرد على من ظن انفراد شعيب به وقد بينت هناك أن الإسماعيلي أخرجه أيضا من رواية صالح بن كيسان ولم أستحضر حينئذ رواية يونس هذه فهم على هذا ثلاثة من حفاظ أصحاب الزهري رووه عنه وسياق المصنف على لفظ أحمد بن صالح هذا وسياقه هناك على لفظ شعيب والمعنى متقارب وقد ذكرت شرحه هناك .

قال ابن بطال عن المهلب : ترجم للمعانقة ولم يذكرها في الباب وإنما أراد أن يدخل فيه معانقة النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن الحديث الذي تقدم ذكره في " باب ما ذكر من الأسواق " في كتاب البيوع فلم يجد له سندا غير السند الأول فمات قبل أن يكتب فيه شيئا فبقي الباب فارغا من ذكر المعانقة وكان بعده باب قول الرجل كيف أصبحت وفيه حديث علي فلما وجد ناسخ الكتاب الترجمتين متواليتين ظنهما واحدة إذ لم يجد بينهما حديثا .

وفي الكتاب مواضع من الأبواب فارغة لم يدرك أن يتمها بالأحاديث منها في كتاب الجهاد انتهى وفي جزمه بذلك نظر والذي يظهر أنه أراد ما أخرجه [ ص: 61 ] في " الأدب المفرد " فإنه ترجم فيه " باب المعانقة " وأورد فيه حديث جابر أنه بلغه حديث عن رجل من الصحابة قال : فابتعت بعيرا فشددت إليه رحلي شهرا حتى قدمت الشام ، فإذا عبد الله بن أنيس فبعثت إليه فخرج فاعتنقني واعتنقته " الحديث فهذا أولى بمراده وقد ذكر طرفا منه في كتاب العلم معلقا فقال " ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر في حديث واحد وتقدم الكلام على سنده هناك .

وأما جزمه بأنه لم يجد لحديث أبي هريرة سندا آخر ففيه نظر لأنه أورده في كتاب اللباس بسند آخر وعلقه في مناقب الحسن فقال وقال نافع بن جبير عن أبي هريرة فذكر طرفا منه فلو كان أراد ذكره لعلق منه موضع حاجته أيضا بحذف أكثر السند أو بعضه كأن يقول وقال أبو هريرة أو قال عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة وأما قوله إنهما ترجمتان خلت الأولى عن الحديث فضمهما الناسخ فإنه محتمل ولكن في الجزم به نظر .

وقد ذكرت في المقدمة عن أبي ذر راوي الكتاب ما يؤيد ما ذكره من أن بعض من سمع الكتاب كان يضم بعض التراجم إلى بعض ويسد البياض وهي قاعدة يفزع إليها عند العجز عن تطبيق الحديث على الترجمة ويؤيده إسقاط لفظ المعانقة من رواية من ذكرنا وقد ترجم في الأدب " باب كيف أصبحت " وأورد فيه حديث ابن عباس المذكور وأفرد باب المعانقة عن هذا الباب وأورد فيه حديث جابر كما ذكرت وقوى ابن التين ما قال ابن بطال بأنه وقع عنده في رواية " باب المعانقة " قول الرجل كيف أصبحت بغير واو فدل على أنهما ترجمتان .

وقد أخذ ابن جماعة كلام ابن بطال جازما به واختصره وزاد عليه فقال ترجم بالمعانقة ولم يذكرها وإنما ذكرها في كتاب البيوع وكأنه ترجم ولم يتفق له حديث يوافقه في المعنى ولا طريق آخر لسند معانقة الحسن ، ولم ير أن يرويه بذلك السند لأنه ليس من عادته إعادة السند الواحد أو لعله أخذ المعانقة من عادتهم عند قولهم كيف أصبحت فاكتفى بكيف أصبحت لاقتران المعانقة به عادة . قلت وقد قدمت الجواب عن الاحتمالين الأولين وأما الاحتمال الأخير فدعوى العادة تحتاج إلى دليل وقد أورد البخاري في " الأدب المفرد " في " باب كيف أصبحت " حديث محمود بن لبيد : أن سعد بن معاذ لما أصيب أكحله كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مر به يقول كيف أصبحت الحديث وليس فيه للمعانقة ذكر وكذلك أخرج النسائي من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال دخل أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال كيف أصبحت ؟ فقال صالح من رجل لم يصبح صائما .

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن أبي عمر نحوه وأخرج البخاري أيضا في " الأدب المفرد " من حديث جابر قال قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - كيف أصبحت ؟ قال بخير الحديث . ومن حديث مهاجر الصائغ : " كنت أجلس إلى رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا قيل له كيف أصبحت قال لا نشرك بالله ومن طريق أبي الطفيل قال " قال رجل لحذيفة كيف أصبحت أو كيف أمسيت يا أبا عبد الله قال أحمد الله . ومن طريق أنس أنه : سمع عمر سلم عليه رجل فرد ثم قال له كيف أنت قال أحمد الله . قال هذا الذي أردت منك " .

وأخرج الطبراني في " الأوسط " نحو هذا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا فهذه عدة أخبار لم تقترن فيها المعانقة بقول كيف أصبحت ونحوها بل ولم يقع في حديث الباب أن اثنين تلاقيا فقال أحدهما للآخر كيف أصبحت حتى يستقيم الحمل على العادة في المعانقة حينئذ وإنما فيه أن من حضر باب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأوا خروج علي من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن حاله في مرضه فأخبرهم فالراجح أن ترجمة المعانقة كانت خالية من الحديث كما تقدم وقد ورد في المعانقة أيضا حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم قال " قلت لأبي ذر [ ص: 62 ] هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصافحكم إذا لقيتموه قال ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود وأجود " ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم .

وأخرج الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس : " كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا " وله في الكبير : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لقي أصحابه لم يصافحهم حتى يسلم عليهم قال ابن بطال : اختلف الناس في المعانقة فكرهها مالك وأجازها ابن عيينة . ثم ساق قصتهما في ذلك من طريق سعيد بن إسحاق وهو مجهول عن علي بن يونس الليثي المدني وهو كذلك وأخرجها ابن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه من وجه آخر عن علي بن يونس قال استأذن سفيان بن عيينة على مالك فأذن له فقال السلام عليكم فردوا عليه ثم قال السلام خاص وعام ، السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته فقال وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاته ثم قال لولا أنها بدعة لعانقتك ، قال قد عانق من هو خير منك قال جعفر ؟ قال نعم . قال ذاك خاص قال ما عمه يعمنا .

ثم ساق سفيان الحديث عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث قال الذهبي في " الميزان " هذه الحكاية باطلة وإسنادها مظلم . قلت والمحفوظ عن ابن عيينة بغير هذا الإسناد فأخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن الأجلح عن الشعبي أن جعفرا لما قدم تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل جعفرا بين عينيه وأخرج البغوي في " معجم الصحابة " من حديث عائشة : لما قدم جعفر استقبله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل ما بين عينيه وسنده موصول لكن في سنده محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف .

وأخرج الترمذي عن عائشة قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي فقرع الباب فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - عريانا يجر ثوبه فاعتنقه وقبله قال الترمذي : حديث حسن .

وأخرج قاسم بن أصبغ " عن أبي الهيثم بن التيهان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه فاعتنقه وقبله " وسنده ضعيف قال المهلب : في أخذ العباس بيد علي جواز المصافحة والسؤال عن حال العليل كيف أصبح وفيه جواز اليمين على غلبة الظن وفيه أن الخلافة لم تذكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي أصلا لأن العباس حلف أنه يصير مأمورا لا آمرا لما كان يعرف من توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بها إلى غيره وفي سكوت علي دليل على علم علي بما قال العباس ، قال وأما قول علي لو صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بصرفها عن بني عبد المطلب لم يمكنهم أحد بعده منها فليس كما ظن ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال مروا أبا بكر فليصل بالناس وقيل له : لو أمرت عمر فامتنع ثم لم يمنع ذلك عمر من ولايتها بعد ذلك .

قلت وهو كلام من لم يفهم مراد علي . وقد قدمت في شرح الحديث في الوفاة النبوية بيان مراده وحاصله أنه إنما خشي أن يكون منع النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم من الخلافة حجة قاطعة بمنعهم منها على الاستمرار تمسكا بالمنع الأول لو رده بمنع الخلافة نصا وأما منع الصلاة فليس فيه نص على منع الخلافة وإن كان في التنصيص على إمامة أبي بكر في مرضه إشارة إلى أنه أحق بالخلافة فهو بطريق الاستنباط لا النص ولولا قرينة كونه في مرض الموت ما قوي وإلا فقد استناب في الصلاة قبل ذلك غيره في أسفاره والله أعلم .

وأما ما استنبطه أولا ففيه نظر ; لأن مستند العباس في ذلك الفراسة وقرائن الأحوال ولم ينحصر ذلك في أن معه من النبي - صلى الله عليه وسلم - النص على منع علي من الخلافة وهذا بين من سياق القصة وقد قدمت هناك أن في بعض طرق هذا الحديث أن العباس قال لعلي بعد أن مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ابسط يدك أبايعك فيبايعك الناس [ ص: 63 ] فلم يفعل فهذا دال على أن العباس لم يكن عنده في ذلك نص والله أعلم وقول العباس في هذه الرواية لعلي : " ألا تراه أنت والله بعد ثلاث . إلخ .

قال ابن التين : الضمير في " تراه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعقب بأن الأظهر أنه ضمير الشأن وليست الرؤية هنا الرؤية البصرية وقد وقع في سائر الروايات " ألا ترى " بغير ضمير وقوله " لو لم تكن الخلافة فينا آمرناه ، قال ابن التين : فهو بمد الهمزة أي شاورناه قال وقرأناه بالقصر من الأمر قلت وهو المشهور والمراد سألناه لأن صيغة الطلب كصيغة الأمر ولعله أراد أنه يؤكد عليه في السؤال حتى يصير كأنه آمر له بذلك .

وقال الكرماني : فيه دلالة على أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء . وحكى ابن التين عن الداودي : أن أول ما استعمل الناس " كيف أصبحت " في زمن طاعون عمواس وتعقبه بأن العرب كانت تقوله قبل الإسلام وبأن المسلمين قالوه في هذا الحديث .

قلت والجواب حمل الأولية على ما وقع في الإسلام لأن الإسلام جاء بمشروعية السلام للمتلاقيين ثم حدث السؤال عن الحال وقل من صار يجمع بينهما والسنة البداءة بالسلام وكأن السبب فيه ما وقع من الطاعون فكانت الداعية متوفرة على سؤال الشخص من صديقه عن حاله فيه ثم كثر ذلك حتى اكتفوا به عن السلام ويمكن الفرق بين سؤال الشخص عمن عنده ممن عرف أنه متوجع وبين سؤال من حاله يحتمل الحدوث

[ ص: 64 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية