صفحة جزء
باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به

5928 حدثنا موسى عن أبي عوانة حدثنا فراس عن عامر عن مسروق حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رحب قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك فقلت لها أنا من بين نسائه خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني قالت أما الآن فنعم فأخبرتني قالت أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وإنه قد عارضني به العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثانية قال يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة
9393 قوله باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه ، فإذا مات أخبر به ذكر فيه حديث عائشة في قصة فاطمة رضي الله عنهما إذ بكت لما سارها النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحكت لما سارها ثانيا فسألتها عن ذلك فقالت ما كنت لأفشي وفيه أنها أخبرت بذلك بعد موته وقد تقدم شرحه في المناقب وفي الوفاة النبوية .

قال ابن بطال : مساررة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة قلت وسيأتي إيضاح هذا بعد باب ، قال وفيه أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على السر ; لأن فاطمة لو أخبرتهن لحزن لذلك حزنا شديدا وكذا لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين لعظم ذلك عليهن واشتد حزنهن فلما أمنت من ذلك بعد موتهن أخبرت به .

قلت أما الشق الأول فحق العبارة أن يقول فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة ; لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته ؟ وأما الشق الثاني فالعلة التي ذكرها مردودة لأن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - ماتت قبلهن كلهن وما أدري كيف خفي عليه هذا ؟ ثم جوزت أن يكون في النسخة سقم وأن الصواب فلما أمنت من ذلك بعد موته وهو أيضا مردود لأن الحزن الذي علل به لم ينزل بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - بل لو كان كما زعم لاستمر حزنهن على ما فاتهن من ذلك

وقال ابن التين يستفاد من قول عائشة : " عزمت عليك بما لي عليك من الحق " جواز العزم بغير الله قال وفي المدونة عن مالك إذا قال أعزم عليك بالله فلم يفعل لم يحنث وهو كقوله أسألك بالله وإن قال أعزم بالله أن تفعل فلم يفعل حنث لأن هذا يمين . انتهى والذي عند الشافعية أن ذلك في الصورتين يرجع إلى قصد الحالف فإن قصد يمين نفسه فيمين وإن قصد يمين المخاطب أو الشفاعة أو أطلق فلا

التالي السابق


الخدمات العلمية