صفحة جزء
باب الدعاء إذا انتبه بالليل

5957 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بت عند ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها ثم توضأ وضوءا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ فصلى فقمت فتمطيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه فتوضأت فقام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ فآذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ وكان يقول في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا قال كريب وسبع في التابوت فلقيت رجلا من ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري وذكر خصلتين
9444 قوله باب الدعاء إذا انتبه من الليل ) رواية الكشميهني " بالليل " ووقع عندهم في أول التهجد في أواخر كتاب الصلاة بالعكس ذكر فيه حديثين عن ابن عباس .

9445 قوله عن سفيان هو الثوري ، وسلمة هو ابن كهيل .

قوله بت عند ميمونة ) تقدم شرحه مضموما إلى ما في ثاني حديثي الباب في أول أبواب الوتر دون ما في آخره من الدعاء فأحلت به على ما هنا وقوله فيه " فغسل وجهه " كذا لأبي ذر ولغيره " غسل " بغير فاء وقوله " شناقها " بكسر المعجمة وتخفيف النون ثم قاف هو رباط القربة يشد عنقها فشبه بما يشنق به وقيل هو ما تعلق به ورجح أبو عبيد الأول

قوله وضوءا بين وضوءين قد فسره بقوله " لم يكثر وقد أبلغ " وهو يحتمل أن يكون قلل من الماء مع التثليث أو اقتصر على دون الثلاث ووقع في رواية شعبة عن سلمة عند مسلم " وضوءا حسنا " ووقع عند الطبراني من طريق منصور بن معتمر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في هذه القصة " وإلى جانبه مخضب من برام مطبق عليه سواك فاستن به ثم توضأ "

قوله ( أتقيه ) بمثناة ثقيلة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة قال الخطابي : أي أرتقبه وفي رواية بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش وفي رواية القابسي " أبغيه " بسكون الموحدة بعدها معجمة مكسورة ثم تحتانية أي أطلبه وللأكثر " أرقبه " وهي أوجه

قوله فتتامت بمثناتين أي تكاملت ، وهي رواية شعبة عن سلمة عند مسلم . قوله فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ) في رواية مسلم ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه "

قوله وكان يقول في دعائه ) فيه إشارة إلى أن دعاءه حينئذ كان كثيرا وكان هذا من جملته وقد ذكر في ثاني حديثي الباب قوله اللهم أنت نور السماوات والأرض إلخ " ووقع في رواية شعبة عن سلمة " فكان يقول في صلاته وسجوده " وسأذكر أن في رواية الترمذي زيادة في هذا الدعاء طويلة ووقع عند مسلم أيضا في رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أنه قال الذكر الآتي في الحديث الثاني أول ما قام قبل أن يدخل في الصلاة وقال هذا [ ص: 121 ] الدعاء المذكور في الحديث الأول وهو ذاهب إلى صلاة الصبح فأفاد أن الحديثين في قصة واحدة وأن تفريقهما صنيع الرواة وفي رواية الترمذي التي سيأتي التنبيه عليها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك حين فرغ من صلاته ، ووقع عند البخاري في " الأدب المفرد " من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يصلي فقضى صلاته يثني على الله بما هو أهله ثم يكون آخر كلامه اللهم اجعل في قلبي نورا الحديث " ويجمع بأنه كان يقول ذلك عند القرب من فراغه

قوله اللهم اجعل في قلبي نورا إلخ ) قال الكرماني : التنوين فيها للتعظيم أي نورا عظيما كذا قال وقد اقتصر في هذه الرواية على ذكر القلب والسمع والبصر والجهات الست وقال في آخره " واجعل لي نورا . ولمسلم عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن بن مهدي بسند حديث الباب " وعظم لي نورا " بتشديد الظاء المعجمة ولأبي يعلى عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن وأعظم لي نورا " أخرجه الإسماعيلي وأخرجه أيضا من رواية بندار عن عبد الرحمن . وكذا لأبي عوانة من رواية أبي حذيفة عن سفيان ولمسلم في رواية شعبة عن سلمة " واجعل لي نورا " أو قال " واجعلني نورا " هذه رواية غندر عن شعبة ، وفي رواية النضر عن شعبة " واجعلني " ولم يشك وللطبراني في الدعاء من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في آخره : واجعل لي يوم القيامة نورا "

قوله قال كريب : وسبع في التابوت قلت حاصل ما في هذه الرواية عشرة وقد أخرجه مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل " فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها ثنتي عشرة ونسيت ما بقي " فذكر ما في رواية الثوري هذه وزاد " وفي لساني نورا " بعد قوله : في قلبي " وقال في آخره " واجعل لي في نفسي نورا وأعظم لي نورا " وهاتان ثنتان من السبع التي ذكر كريب أنها في التابوت مما حدثه بعض ولد العباس .

وقد اختلف في مراده بقوله التابوت فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به الصدر الذي هو وعاء القلب وسبق ابن بطال والداودي إلى أن المراد بالتابوت الصدر وزاد ابن بطال : كما يقال لمن يحفظ العلم علمه في التابوت مستودع وقال النووي تبعا لغيره المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيها بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها ، قال وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت .

قلت ويؤيده ما وقع عند أبي عوانة من طريق أبي حذيفة عن الثوري بسند حديث الباب " قال كريب وستة عندي مكتوبات في التابوت " وجزم القرطبي في " المفهم " وغير واحد بأن المراد بالتابوت الجسد أي أن السبع المذكورة تتعلق بجسد الإنسان بخلاف أكثر ما تقدم فإنه يتعلق بالمعاني كالجهات الست وإن كان السمع والبصر من الجسد وحكى ابن التين عن الداودي أن معنى قوله " في التابوت " أي في صحيفة في تابوت عند بعض ولد العباس ، قال والخصلتان العظم والمخ وقال الكرماني : لعلهما الشحم والعظم كذا قالا وفيه نظر سأوضحه

قوله فلقيت رجلا من ولد العباس ) قال ابن بطال : ليس كريب هو القائل " فلقيت رجلا من ولد العباس " وإنما قاله سلمة بن كهيل الراوي عن كريب . قلت هو محتمل وظاهر رواية أبي حذيفة أن القائل هو كريب قال ابن بطال : وقد وجدت الحديث من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال فذكر الحديث مطولا وظهرت منه معرفة الخصلتين اللتين نسيهما فإن فيه اللهم اجعل في عظامي نورا وفي قبري نورا .

[ ص: 122 ] قلت بل الأظهر أن المراد بهما اللسان والنفس وهما اللذان زادهما عقيل في روايته عند مسلم وهما من جملة الجسد وينطبق عليه التأويل الأخير للتابوت وبذلك جزم القرطبي في " المفهم " ولا ينافيه ما عداه والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده " سمعت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة حين فرغ من صلاته يقول اللهم إني أسألك رحمة من عندك فساق الدعاء بطوله وفيه اللهم اجعل لي نورا في قبري ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم والدم والعظام ثم قال في آخره اللهم عظم لي نورا وأعطني نورا واجعلني نورا قال الترمذي غريب وقد روى شعبة وسفيان عن سلمة عن كريب بعض هذا الحديث ولم يذكروه بطوله انتهى .

وأخرج الطبري من وجه آخر عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه في آخره " وزدني نورا قالها ثلاثا " وعند ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن عن كريب في آخر الحديث " وهب لي نورا على نور " ويجتمع من اختلاف الروايات كما قال ابن العربي خمس وعشرون خصلة

قوله فذكر عصبي بفتح المهملتين وبعدهما موحدة قال ابن التين هي أطناب المفاصل وقوله " وبشري " بفتح الموحدة والمعجمة ظاهر الجسد

قوله وذكر خصلتين أي تكملة السبعة قال القرطبي : هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله - تعالى - أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نورا يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم قال والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال - تعالى - فهو على نور من ربه وقوله : - تعالى - وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ثم قال والتحقيق في معناه أن النور مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي : معنى طلب النور للأعضاء عضوا عضوا أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق وإلى ذلك يرشد قوله - تعالى - الله نور السماوات والأرض - إلى قوله - تعالى - نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء انتهى ملخصا .

وكان في بعض ألفاظه ما لا يليق بالمقام فحذفته وقال الطيبي أيضا خص السمع والبصر والقلب بلفظ " لي " لأن القلب مقر الفكرة في آلاء الله والسمع والبصر مسارح آيات الله المصونة . قال وخص اليمين والشمال بعن إيذانا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه وعبر عن بقية الجهات بمن يشمل استنارته وإنارته من الله والخلق وقوله في آخره " واجعل لي نورا " هي فذلكة لذلك وتأكيد له

التالي السابق


الخدمات العلمية