صفحة جزء
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة

6000 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة
9510 قوله باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة ) كذا ترجم بهذا اللفظ وأورده بلفظ اللهم فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة أورده من طريق يونس وهو ابن يزيد عن ابن شهاب وقد أخرجه مسلم من هذا الوجه مثله وظاهر سياقه أنه حذف منه شيء من أوله وقد بينه مسلم من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه بهذا الإسناد بلفظ اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ اللهم إنما أنا بشر ، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعله له زكاة ورحمة ومن طريق الأعرج عن أبي هريرة مثل رواية ابن أخي ابن شهاب لكن قال فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة ومن طريق سالم عن أبي هريرة بلفظ اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا الحديث وفيه " فأيما مؤمن آذيته " والباقي بمعناه بلفظ " أو " [ ص: 176 ] وأخرج من حديث عائشة بيان سبب هذا الحديث قالت دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت له ، فقال أما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا وأخرجه من حديث جابر نحوه وأخرجه من حديث أنس وفيه تقييد المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل ولفظه إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وفيه قصة لأم سليم .

9511 قوله اللهم فأيما مؤمن الفاء جواب الشرط المحذوف لدلالة السياق عليه قال المازري : إن قيل كيف يدعو - صلى الله عليه وسلم - بدعوة على من ليس لها بأهل ؟ قيل المراد بقوله " ليس لها بأهل " عندك في باطن أمره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه فكأنه يقول من كان باطن أمره عندك أنه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورا وزكاة قال وهذا معنى صحيح لا إحالة فيه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان متعبدا بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله انتهى وهذا مبني على قول من قال إنه كان يجتهد في الأحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده وأما من قال كان لا يحكم إلا بالوحي فلا يأتي منه هذا الجواب ثم قال المازري : فإن قيل فما معنى قوله وأغضب كما يغضب البشر فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا أنها على مقتضى الشرع فيعود السؤال فالجواب أنه يحتمل أنه أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون الغضب لله - تعالى - بعثه على لعنه أو جلده ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه . قال ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج الإشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله فكأنه أظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت أو إشفاقا من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت ويكون من الصغائر على قول من يجوزها أو يكون الزجر يحصل بدونها ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي ولكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم عقرى حلقى وتربت يمينك فأشفق من موافقة أمثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى وهذا الاحتمال حسن إلا أنه يرد عليه قوله : جلدته " فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد وقد ساق الجميع مساقا واحدا إلا إن حمل على الجلدة الواحدة فيتجه ثم أبدى القاضي احتمالا آخر فقال كان لا يقول ولا يفعل - صلى الله عليه وسلم - في حال غضبه إلا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه وترك الإغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة " ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله " وهو في الصحيح قلت فعلى هذا فمعنى قوله " ليس لها بأهل " أي من جهة تعين التعجيل

وفي الحديث كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم وهذا كله في حق معين وفي زمن واضح وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه - صلى الله عليه وسلم - فما أظنه يشمله والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية