صفحة جزء
باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة

598 حدثنا إسحاق الواسطي قال حدثنا خالد عن الجريري عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بين كل أذانين صلاة ثلاثا لمن شاء
[ ص: 126 ] قوله : ( باب كم بين الأذان والإقامة ) أما " باب " فهو في روايتنا بلا تنوين و " كم " استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك ، ولعله أشار بذلك إلى ما روي عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف ، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية ، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت ، وقال ابن بطال : لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين ، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي .

ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني " ومن انتظر الإقامة " وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه .

قوله : ( حدثنا إسحاق الواسطي ) هو ابن شاهين ، ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى ، لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي ، وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد وهو ابن عبد الله الطحان ، والجريري سعيد بن إياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة ، ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات ، وهو معدود فيمن اختلط ، واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم ، لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه ، وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا ، وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا ، وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري ، فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين ، ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن ابن بريدة ، وسيأتي عند المصنف بعد باب ، وفي رواية يزيد بن زريع من الفوائد أيضا تسمية ابن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري .

قوله : ( بين كل أذانين ) أي أذان وإقامة ، ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة ، والخير ناطق بالتخيير لقوله " لمن شاء " ، وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه [ ص: 127 ] بأن ذلك المراد ، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر ، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة ، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ، ولا مانع من حمل قوله " أذانين " على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة .

قوله : ( صلاة ) أي وقت صلاة ، أو المراد صلاة نافلة ، أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر . ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة ، لأن منتظر الصلاة في صلاة ، قاله الزين بن المنير .

قوله : ( ثلاثا ) أي قالها ثلاثا ، وسيأتي بعد باب بلفظ بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة " لمن شاء وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة ، بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله " لمن شاء " . ولمسلم والإسماعيلي قال في الرابعة لمن شاء وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة ، أي أنه اقتصر فيها على قوله " لمن شاء " فأطلق عليها بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول ، وبهذا توافق رواية البخاري . وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث " لمن شاء " ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب . وقال ابن الجوزي : فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها ، فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس ، وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي . ووقع عند أحمد إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت وهو أخص من الرواية المشهورة إلا المكتوبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية