صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرقاق باب لا عيش إلا عيش الآخرة

6049 حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد هو ابن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ قال عباس العنبري حدثنا صفوان بن عيسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه سمعت ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
9595 قوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الرقاق الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة كذا لأبي ذر عن السرخسي وسقط عنده عن المستملي والكشميهني " الصحة والفراغ " ومثله للنسفي ، وكذا للإسماعيلي لكن قال " وأن لا عيش " كذا لأبي الوقت لكن قال " باب لا عيش " وفي رواية كريمة عن الكشميهني " ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة " قال مغلطاي : عبر جماعة من العلماء في كتبهم بالرقائق قلت منهم ابن المبارك والنسائي في " الكبرى " وروايته كذلك في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري والمعنى واحد والرقاق والرقائق جمع رقيقة وسميت هذه الأحاديث بذلك لأن في كل منها ما يحدث في القلب رقة قال أهل اللغة الرقة الرحمة وضد الغلظ ويقال للكثير الحياء رق وجهه استحياء وقال الراغب : متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسي القلب وقال الجوهري : وترقيق الكلام تحسينه

[ ص: 234 ] قوله ( أخبرنا المكي ) كذا للأكثر بالألف واللام في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري وقد أخرج أحمد عنه هذا الحديث بعينه

قوله ( هو ابن أبي هند ) الضمير لسعيد لا لعبد الله وهو من تفسير المصنف ووقع في رواية أحمد عن مكي ووكيع جميعا " حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند " وعبد الله المذكور من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن سهل .

قوله عن أبيه في رواية يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد " حدثني أبي " أخرجه الإسماعيلي قوله عن ابن عباس ) في الرواية التي بعدها " سمعت ابن عباس "

قوله ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) كذا لسائر الرواة لكن عند أحمد " الفراغ والصحة " وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق إسماعيل بن جعفر وابن المبارك ووكيع كلهم عن عبد الله بن سعيد بسنده الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ولم يبين لمن اللفظ وأخرجه الدارمي عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري فيه كذلك بزيادة ولفظه إن الصحة والفراغ نعمتان من نعم الله والباقي سواء وهذه الزيادة وهي قوله " من نعم الله " وقعت في رواية ابن عدي المشار إليها وقوله " نعمتان " تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقيل هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان للغير والغبن بالسكون وبالتحريك وقال الجوهري : هو في البيع بالسكون وفي الرأي بالتحريك وعلى هذا فيصح كل منهما في هذا الخبر فإن من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك قال ابن بطال : معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله " كثير من الناس " إلى أن الذي يوفق لذلك قليل وقال ابن الجوزي : قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل

يسر الفتى طول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعل     يرد الفتى بعد اعتدال وصحة
ينوء إذا رام القيام ويحمل



وقال الطيبي : ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن فالصحة والفراغ رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة وقريب منه قول الله - تعالى - : هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم الآيات وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح وقوله في الحديث " مغبون فيهما كثير من الناس " كقوله - تعالى - : وقليل من عبادي الشكور فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية وقال القاضي وأبو بكر بن العربي : اختلف في أول نعمة الله على العبد فقيل الإيمان وقيل الحياة وقيل الصحة والأول أولى فإنه نعمة مطلقة وأما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقة إلا إذا صاحبت الإيمان وحينئذ يغبن فيها كثير من [ ص: 235 ] الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه الأمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن وكذلك إذا كان فارغا فإن المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة

قوله وقال عباس العنبري هو بالمهملة والموحدة ابن عبد العظيم أحد الحفاظ بصري من أوساط شيوخ البخاري وقد أخرجه ابن ماجه عن العباس المذكور فقال في كتاب الزهد من السنن في " باب الحكمة منه " حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري فذكره سواء قال الحاكم : هذا الحديث صدر به ابن المبارك كتابه فأخرجه عن عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد قلت وأخرجه الترمذي والنسائي من طريقه قال الترمذي رواه غير واحد عن عبد الله بن سعيد فرفعوه ووقفه بعضهم على ابن عباس وفي الباب عن أنس انتهى وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن ابن المبارك ثم من وجهين عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن سعيد ثم من طريق بندار عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله به ثم قال قال بندار ربما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه وأخرجه ابن عدي من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا

التالي السابق


الخدمات العلمية