صفحة جزء
باب فضل الفقر

6082 حدثنا إسماعيل قال حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا فقال رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيك في هذا فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير من ملء الأرض مثل هذا
[ ص: 278 ] قوله باب فضل الفقر قيل أشار بهذه الترجمة عقب التي قبلها إلى تحقيق محل الخلاف في تفضيل الفقر على الغنى أو عكسه ; لأن المستفاد من قوله الغنى غنى النفس الحصر في ذلك فيحمل كل ما ورد في فضل الغنى على ذلك فمن لم يكن غني النفس لم يكن ممدوحا بل يكون مذموما فكيف يفضل وكذا ما ورد من فضل الفقر لأن من لم يكن غني النفس فهو فقير النفس وهو الذي تعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه والفقر الذي وقع فيه النزاع عدم المال والتقلل منه وأما الفقر في قوله - تعالى - ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فالمراد به احتياج المخلوق إلى الخالق فالفقر للمخلوقين أمر ذاتي لا ينفكون عنه والله هو الغني ليس بمحتاج لأحد ويطلق الفقر أيضا على شيء اصطلح عليه الصوفية وتفاوتت فيه عباراتهم وحاصله كما قال أبو إسماعيل الأنصاري نفض اليد من الدنيا ضبطا وطلبا مدحا وذما ، وقالوا إن المراد بذلك أن لا يكون ذلك في قلبه سواء حصل في يده أم لا وهذا يرجع إلى ما تضمنه الحديث الماضي في الباب قبله أن الغنى غنى النفس على ما تقدم تحقيقه والمراد بالفقر هنا الفقر من المال .

وقد تكلم ابن بطال هنا على مسألة التفضيل بين الغنى [ ص: 279 ] والفقر فقال طال نزاع الناس في ذلك فمنهم من فضل الفقر واحتج بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي واحتج من فضل الغنى بما تقدم قبل هذا بباب في قوله إن المكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وحديث سعد الماضي في الوصايا إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة وحديث كعب بن مالك حيث استشار في الخروج من ماله كله فقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك وحديث ذهب أهل الدثور بالأجور وفي آخره " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " وحديث عمرو بن العاص نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه مسلم وغير ذلك قال وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي : الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال - تعالى - إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وقال - تعالى - ونبلوكم بالشر والخير فتنة ، و ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - " كان يستعيذ من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى ثم ذكر كلاما طويلا حاصله أن الفقير والغني متقابلان لما يعرض لكل منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم والفضل كله في الكفاف لقوله - تعالى - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال - صلى الله عليه وسلم - اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وسيأتي قريبا وعليه يحمل قوله أسألك غناي وغنى هؤلاء . وأما الحديث الذي أخرجه الترمذي اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا الحديث فهو ضعيف وعلى تقدير ثبوته فالمراد به أن لا يجاوز به الكفاف انتهى ملخصا .

وممن جنح إلى تفضيل الكفاف القرطبي في " المفهم " فقال جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه الحالات الثلاث الفقر والغنى والكفاف فكان الأول أول حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حد الأغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به والإيثار مع اقتصاره منه على ما يسد ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها قال : وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم وأيضا فصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يترفه في طيبات الدنيا بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة وذل المسألة انتهى .

ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رفعه وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأصح ما ورد في ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو رفعه قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع وله شاهد عن فضالة بن عبيد نحوه عند الترمذي وابن حبان وصححاه قال النووي : فيه فضيلة هذه الأوصاف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان .

وقال القرطبي : هو ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات ولا يلحق بأهل الترفهات ومعنى الحديث أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا وفيه حجة لمن فضل الكفاف لأنه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال وقد قال خير الأمور أوساطها انتهى ويؤيده ما أخرجه ابن المبارك في " الزهد " بسند صحيح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قليل العمل قليل الذنوب أفضل أو رجل كثير العمل كثير الذنوب ؟ فقال " لا أعدل بالسلامة شيئا " فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى وآفات الفقر وقد ورد حديث لو صح لكان نصا في المسألة وهو ما أخرجه ابن ماجه من طريق نفيع - وهو ضعيف - عن أنس رفعه ما من غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا قلت وهذا كله صحيح لكن لا يدفع أصل السؤال عن أيهما أفضل الغنى أو الفقر ؟ لأن النزاع إنما ورد في حق من اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل ؟ ولهذا قال الداودي في آخر كلامه المذكور أولا إن السؤال أيهما أفضل لا يستقيم لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح [ ص: 280 ] ما ليس للآخر فيكون أفضل وإنما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الآخر قال فعلم أيهما أفضل عند الله انتهى وكذا قال ابن تيمية لكن قال إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء وقد تقدم كلام ابن دقيق العيد في الكلام على حديث أهل الدثور قبيل كتاب الجمعة ومحصل كلامه أن الحديث يدل على تفضيل الغنى على الفقر لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية إلا إن فسر الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي حصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ولهذا المعنى ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر ; لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى انتهى وقال ابن الجوزي : صورة الاختلاف في فقير ليس بحريص وغني ليس بممسك إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني البخيل وأن الغني المنفق أفضل من الفقير الحريص ، قال وكل ما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف إلى مقصوده فبه يظهر فضله .

فالمال ليس محذورا لعينه بل لكونه قد يعوق عن الله وكذا العكس فكم من غني لم يشغله غناه عن الله وكم من فقير شغله فقره عن الله إلى أن قال وإن أخذت بالأكثر فالفقير عن الخطر أبعد لأن فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر ومن العصمة أن لا تجد ، انتهى وصرح كثير من الشافعية بأن الغني الشاكر أفضل وأما قول أبي علي الدقاق شيخ أبي القاسم القشيري : الغني أفضل من الفقير ; لأن الغنى صفة الخالق والفقر صفة المخلوق وصفة الحق أفضل من صفة الخلق فقد استحسنه جماعة من الكبار وفيه نظر لما قدمته أول الباب ويظهر منه أن هذا لا يدخل في أصل النزاع إذ ليس هو في ذات الصفتين وإنما هو في عوارضهما وبين بعض من فضل الغني على الفقير كالطبري جهته بطريق أخرى فقال لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر غير أني أقول كما قال مطرف بن عبد الله : لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر قلت وكأن السبب فيه ما جبل عليه طبع الآدمي من قلة الصبر ولهذا يوجد من يقوم بحسب الاستطاعة بحق الصبر أقل ممن يقوم بحق الشكر بحسب الاستطاعة وقال بعض المتأخرين فيما وجد بخط أبي عبد الله بن مرزوق : كلام الناس في أصل المسألة مختلف فمنهم من فضل الفقر ومنهم من فضل الغنى ومنهم من فضل الكفاف وكل ذلك خارج عن محل الخلاف وهو أي الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك ويتخلق به ؟ هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من الشواغل وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما في ذلك من النفع المتعدي ؟ قال وإذا كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي - صلى الله عليه وسلم - وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهراتها ويبقى النظر فيمن حصل له شيء من الدنيا بغير تكسب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البر حتى لا يبقى منه شيء أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي ؟ قال وهو على القسمين الأولين . قلت ومقتضى ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حال الكفاف ولا يضره ما يتجدد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة بالمشهور من أحوالهم فإنهم كانوا على قسمين بعد أن فتحت عليهم الفتوح فمنهم من أبقى ما بيده مع التقرب إلى ربه بالبر والصلة والمواساة مع الاتصاف بغنى النفس ومنهم من استمر على ما كان عليه قبل ذلك فكان لا يبقي شيئا مما فتح عليه به وهم قليل بالنسبة للطائفة الأخرى ومن تبحر في سير السلف علم صحة ذلك فأخبارهم في ذلك لا تحصى كثرة وحديث خباب في الباب شاهد لذلك .

والأدلة الواردة في فضل كل من الطائفتين كثيرة فمن الشق الأول بعض أحاديث الباب وغيرها ومن الشق الثاني حديث سعد بن أبي وقاص رفعه إن الله يحب الغني التقي الخفي أخرجه مسلم وهو دال لما قلته سواء حملنا الغنى فيه على المال أو على غنى النفس فإنه على الأول ظاهر وعلى [ ص: 281 ] الثاني يتناول القسمين فيحصل المطلوب والمراد بالتقي وهو بالمثناة من يترك المعاصي امتثالا للمأمور به واجتنابا للمنهي عنه والخفي ذكر للتتميم إشارة إلى ترك الرياء والله أعلم ومن المواضع التي وقع فيها التردد من لا شيء له فالأولى في حقه أن يتكسب للصون عن ذل السؤال أو يترك وينتظر ما يفتح عليه بغير مسألة فصح عن أحمد مع ما اشتهر من زهده وورعه أنه قال لمن سأله عن ذلك الزم السوق وقال لآخر استغن عن الناس فلم أر مثل الغنى عنهم . وقال ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله وأن يعودوا أنفسهم التكسب ومن قال بترك التكسب فهو أحمق يريد تعطيل الدنيا نقله عنه أبو بكر المروزي . وقال أجرة التعليم والتعلم أحب إلي من الجلوس لانتظار ما في أيدي الناس وقال أيضا من جلس ولم يحترف دعته نفسه إلى ما في أيدي الناس .

وأسند عن عمر " كسب فيه بعض الشيء خير من الحاجة إلى الناس " وأسند عن سعيد بن المسيب أنه قال عند موته وترك مالا " اللهم إنك تعلم أني لم أجمعه إلا لأصون به ديني " وعن سفيان الثوري وأبي سليمان الداراني ونحوهما من السلف نحوه بل نقله البربهاري عن الصحابة والتابعين وأنه لا يحفظ عن أحد منهم أنه ترك تعاطي الرزق مقتصرا على ما يفتح عليه واحتج من فضل الغنى بآية الأمر في قوله - تعالى - : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل الآية قال وذلك لا يتم إلا بالمال وأجاب من فضل الفقر بأنه لا مانع أن يكون الغنى في جانب أفضل من الفقر في حالة مخصوصة ولا يستلزم أن يكون أفضل مطلقا وذكر المصنف في الباب خمسة أحاديث الحديث الأول

قوله حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس كما صرح به أبو نعيم وأبو حازم هو سلمة بن دينار

قوله مر رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده ما رأيك في هذا ) ؟ تقدم في " باب الأكفاء في الدين " من أوائل النكاح عن إبراهيم بن حمزة عن أبي حازم " فقال ما تقولون في هذا " وهو خطاب لجماعة ووقع في رواية جبير بن نفير عن أبي ذر عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان بلفظ " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - انظر إلى أرفع رجل في المسجد في عينيك قال فنظرت إلى رجل في حلة الحديث فعرف منه أن المسئول هو أبو ذر ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر ووجه إليه فأجاب ولذلك نسبه لنفسه وأما المار فلم أقف على اسمه ووقع في رواية أخرى لابن حبان سألني رسول - صلى الله عليه وسلم - عن رجل من قريش فقال هل تعرف فلانا ؟ قلت نعم الحديث ووقع في المغازي لابن إسحاق ما قد يؤخذ منه أنه عيينة بن حصن الفزاري أو الأقرع بن حابس التميمي كما سأذكره

قوله فقال أي المسئول

قوله رجل من أشراف الناس أي هذا رجل من أشراف الناس ووقع كذلك عند ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن أبي حازم

قوله هذا والله حري بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين وتشديد آخره أي جدير وحقيق وزنا ومعنى ووقع في رواية إبراهيم بن حمزة " قالوا حري "

قوله إن خطب أن ينكح بضم أوله وفتح ثالثه أي تجاب خطبته وإن شفع أن يشفع بتشديد الفاء أي تقبل شفاعته وزاد إبراهيم بن حمزة في روايته " وإن قال أن يستمع " وفي رواية ابن حبان إذا سأل أعطي [ ص: 282 ] وإذا حضر أدخل .

قوله ثم مر رجل زاد إبراهيم " من فقراء المسلمين " وفي رواية ابن حبان " مسكين من أهل الصفة "

قوله هذا خير من ملء ) بكسر الميم وسكون اللام مهموز

قوله : مثل بكسر اللام ويجوز فتحها قال الطيبي : وقع التفضيل بينهما باعتبار مميزه وهو قوله بعد هذا لأن البيان والمبين شيء واحد زاد أحمد وابن حبان " عند الله يوم القيامة " وفي رواية ابن حبان الأخرى " خير من طلاع الأرض من الآخر " وطلاع بكسر المهملة وتخفيف اللام وآخره مهملة أي ما طلعت عليه الشمس من الأرض كذا قال عياض وقال غيره المراد ما فوق الأرض وزاد في آخر هذه الرواية " فقلت يا رسول الله أفلا يعطى هذا كما يعطى الآخر ؟ قال إذا أعطي خيرا فهو أهله وإذا صرف عنه فقد أعطي حسنة وفي رواية أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر فيما أخرجه محمد بن هارون الروياني في مسنده وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " ومحمد بن الربيع الجيزي في " مسند الصحابة الذين نزلوا مصر " ما يؤخذ منه تسمية المار الثاني ولفظه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له كيف ترى جعيلا ؟ قلت مسكينا كشكله من الناس ، قال فكيف ترى فلانا ؟ قلت سيدا من السادات ، قال فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا . قال فقلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع ؟ قال إنه رأس قومه فأتألفهم . وذكر ابن إسحاق في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا أو معضلا قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع مائة مائة وتركت جعيلا . قال والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل جعيلا إلى إيمانه ولجعيل المذكور ذكر في حديث أخيه عوف بن سراقة في غزوة بني قريظة وفي حديث العرباض بن سارية في غزوة تبوك وقيل فيه جعال بكسر أوله وتخفيف ثانيه ولعله صغر وقيل بل هما أخوان .

وفي الحديث بيان فضل جعيل المذكور وأن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها ، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم أن العيش عيش الآخرة وأن الذي يفوته الحظ من الدنيا يعاض عنه بحسنة الآخرة ففيه فضيلة للفقر كما ترجم به لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني قال ابن بطال لأنه إن كان فضل عليه لفقره فكان ينبغي أن يقول خير من ملء الأرض مثله لا فقير فيهم وإن كان لفضله فلا حجة فيه قلت يمكنهم أن يلتزموا الأول والحيثية مرعية لكن تبين من سياق طرق القصة أن جهة تفضيله إنما هي لفضله بالتقوى وليست المسألة مفروضة في فقير متق وغني غير متق بل لا بد من استوائهما أولا في التقوى وأيضا فما في الترجمة تصريح بتفضيل الفقر على الغنى إذ لا يلزم من ثبوت فضيلة الفقر أفضليته وكذلك لا يلزم من ثبوت أفضلية فقير على غني أفضلية كل فقير على كل غني الحديث الثاني

التالي السابق


الخدمات العلمية