صفحة جزء
6088 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس قال سمعت سعدا يقول إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ورأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام خبت إذا وضل سعيي
[ ص: 295 ] قوله : يحيى هو ابن سعيد القطان ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ، وسعد هو ابن أبي وقاص .

قوله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ) زاد الترمذي من طريق بيان عن قيس " سمعت سعدا يقول : إني لأول رجل أهراق دما في سبيل الله " وفي رواية ابن سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكبا وهي أول السرايا بعد الهجرة

قوله ورأيتنا بضم المثناة

قوله ورق الحبلة بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا ووقع في مناقب سعد بالتردد بين الرفع والنصب

قوله وهذا السمر بفتح المهملة وضم الميم قال أبو عبيد وغيره هما نوعان من شجر البادية وقيل الحبلة ثمر العضاه بكسر المهملة وتخفيف المعجمة شجر الشوك كالطلح والعوسج قال النووي : وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة .

قلت هي رواية أخرى عند البخاري بلفظ " إلا الحبلة وورق السمر " وكذا وقع عند أحمد وابن سعد وغيرهما وفي رواية بيان عند الترمذي " ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة " وقال القرطبي وقع في رواية الأكثر عند مسلم " إلا ورق الحبلة هذا السمر " وقال ابن الأعرابي : الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبيا وفي رواية التيمي والطبري في مسلم " وهذا السمر " بزيادة واو قال القرطبي : ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر ، ووقع في حديث عتبة بن غزوان عند مسلم : " لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا "

قوله : ليضع بالضاد المعجمة كناية عن الذي يخرج منه في حال التغوط

قوله كما تضع الشاة زاد بيان في روايته " والبعير

قوله ما له خلط بكسر المعجمة وسكون اللام أي يصير بعرا لا يختلط من شدة اليبس الناشئ عن قشف العيش وتقدم بيانه في شرح الحديث المذكور في مناقب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

قوله ثم أصبحت بنو أسد ) أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وبنو أسد هم إخوة كنانة بن خزيمة جد قريش وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم إلى الإسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله وقالوا في جملة ما شكوه إنه لا يحسن الصلاة وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب " وجوب القراءة على الإمام والمأموم " من أبواب صفة الصلاة وبينت أسماء من كان منهم من بني أسد المذكورين وأغرب النووي فنقل عن بعض العلماء أن مراد سعد بقوله " فأصبحت بنو أسد " بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه نظر ; لأن القصة إن كانت هي التي وقعت في عهد عمر فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد بذلك ولا يشكو منهم فإن أباهم الزبير كان إذ ذاك موجودا وهو صديق سعد وإن كانت بعد [ ص: 296 ] ذلك فيحتاج إلى بيان

قوله تعزرني أي توقفني والتعزيز التوقيف على الأحكام والفرائض قاله أبو عبيد الهروي وقال الطبري : معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب والمعنى أن سعدا أنكر أهلية بني أسد لتعليمه الأحكام مع سابقيته وقدم صحبته وقال الحربي : معنى تعزرني تلومني وتعتبني وقيل توبخني على التقصير وقال القرطبي بعد أن حكى ذلك في هذه الأقوال بعد عن معنى الحديث ، قال والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا الإعظام والتوقير كأنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال وخشونة العيش والجهد ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات فعظمهم الناس بشهرتهم وفضلهم فكأنه كره تعظيم الناس له وخص بني أسد بالذكر لأنهم أفرطوا في تعظيمه ، قال ويؤيده أن في حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الإشارة إلى ما كانوا فيه من ضيق العيش ثم قال في آخره فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك - أي ابن أبي وقاص - فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح منا أحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار انتهى وكان عتبة يومئذ أمير البصرة وسعد أمير الكوفة .

قلت وهذا كله مردود لما ذكرته من أن بني أسد شكوه وقالوا فيه ما قالوا ولذلك خصهم بالذكر وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد في آخر هذا الحديث في مناقب سعد بعد قوله وضل عملي " وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا لا يحسن يصلي ، ووقع كذلك هنا في رواية معتمر بن سليمان عن إسماعيل عند الإسماعيلي ووقع في بعض طرق هذا الحديث الذي فيه أنهم شكوه عند مسلم " فقال سعد : أتعلمني الأعراب الصلاة " فهذا هو المعتمد وتفسير التعزير على ما شرحه من تقدم مستقيم وأما قصة عتبة بن غزوان فإنما قال في آخر حديثه ما قال لأنه خطب بذلك وهو يومئذ أمير فأراد إعلام القوم بأول أمره وآخره إظهارا منه للتواضع والتحدث بنعمة الله والتحذير من الاغترار بالدنيا وأما سعد فقال ذلك بعد أن عزل وجاء إلى عمر فاعتذر وأنكر على من سعى فيه بما سعى

قوله على الإسلام ) في رواية بيان " على الدين "

قوله خبت إذا وضل سعيي في رواية خالد " عملي كما ترى " وكذا هو في معظم الروايات وفي رواية بيان " لقد خبت إذا وضل عملي " . ووقع عند ابن سعد عن يعلى ومحمد ابني عبيد عن إسماعيل بسنده في آخره " وضل عمليه " بزيادة هاء في آخره وهي هاء السكت قال ابن الجوزي : إن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله والمدحة إذا خلت عن البغي والاستطالة وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره كما لو قال القائل إني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين قاصدا إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله ولهذا قال يوسف عليه السلام إني حفيظ عليم وقال علي : سلوني عن كتاب الله وقال ابن مسعود : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته وساق في ذلك أخبارا وآثارا عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك الحديث الثالث

التالي السابق


الخدمات العلمية