صفحة جزء
باب حجبت النار بالشهوات

6122 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره
قوله باب حجبت النار بالشهوات كذا للجميع ووقع عند أبي نعيم " حفت " بدل " حجبت " أي غطيت بها فكانت الشهوات سببا للوقوع في النار

قوله حدثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس .

قوله حدثني مالك ) هذا الحديث ليس في الموطأ وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه عن الهيثم بن خلف عن البخاري وأخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن إسماعيل وأخرجه الدارقطني " الغرائب " من رواية إسماعيل ومن طريق سعيد بن داود وإسحاق بن محمد الفروي أيضا عن مالك وأخرجه أيضا من رواية عبد الله بن وهب عن مالك به لكن وقفه

قوله عن أبي الزناد ) في رواية سعيد بن داود " أخبرنا أبو الزناد "

قوله عن الأعرج عن أبي هريرة ) في رواية سعيد بن داود " أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول "

قوله ( حجبت ) كذا للجميع في الموضعين إلا الفروي فقال " حفت " في الموضعين وكذا هو عند مسلم من رواية ورقاء بن عمر عن أبي الزناد وكذا أخرجه مسلم والترمذي من حديث أنس وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة ، فأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة فقال انظر إليها [ ص: 328 ] قال فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها فأمر بها فحفت بالمكاره فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد قال اذهب إلى النار فانظر إليها فرجع فقال وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات فقال ارجع إليها فرجع فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد فهذا يفسر رواية الأعرج فإن المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا كالإتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولا وفعلا وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه ومن جملتها الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها ; والمراد بالشهوات ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه إما بالأصالة وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات ويلتحق بذلك الشبهات والإكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات وهما محجوبتان فمن هتك الحجاب اقتحم ويحتمل أن يكون هذا الخبر وإن كان بلفظ الخبر فالمراد به النهي . وقوله " حفت " بالمهملة والفاء من الحفاف وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها إلا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات .

وقال ابن العربي : معنى الحديث أن الشهوات جعلت على حفافي النار وهي جوانبها وتوهم بعضهم أنها ضرب بها المثل فجعلها في جوانبها من خارج ولو كان ذلك كان مثلا صحيحا وإنما هي من داخل وهذه صورتها فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراءه ; وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث ثم قال فإن قيل فقد جاء في البخاري حجبت النار بالشهوات فالجواب أن المعنى واحد لأن الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات سمعه وبصره يراها ولا يرى النار التي هي فيها وذلك لاستيلاء الجهالة والغفلة على قلبه فهو كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها قلت بالغ كعادته في تضليل من حمل الحديث على ظاهره وليس ما قاله غيره ببعيد وأن الشهوات على جانب النار من خارج فمن واقعها وخرق الحجاب دخل النار كما أن الذي قاله القاضي محتمل والله أعلم

( تنبيه ) : أدخل ابن بطال في هذا الباب حديثي الباب الذي بعده وحذف الترجمة التي تليه وهي ثابتة في جميع الأصول وفيها الحديثان وليس في الذي قبلها إلا حديث أبي هريرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية