صفحة جزء
باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا وهل يلتفت في الأذان ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه وكان ابن عمر لا يجعل إصبعيه في أذنيه وقال إبراهيم لا بأس أن يؤذن على غير وضوء وقال عطاء الوضوء حق وسنة وقالت عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه

608 حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان
[ ص: 135 ] قوله : ( باب هل يتتبع المؤذن فاه ههنا وههنا ) هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع ، وفي رواية الأصيلي " يتبع " بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الإتباع ، والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع ، وفاه منصوب على المفعولية ، و " ههنا وههنا " ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث . وقال الكرماني : لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه ، وفاه بالنصب بدل من المؤذن ، قال : ليوافق قوله في الحديث " فجعلت أتتبع فاه " اهـ . وليس ذلك بلازم ، لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه ، وكذا وقع ههنا ، فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوانة في صحيحه " فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا " . وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي " رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه " ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا ، والحاصل أن بلالا كان يتتبع بفيه الناحيتين ، وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار .

قوله : ( وهل يلتفت في الأذان ) يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي " فجعل ينحرف يمينا وشمالا " وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ " والتفت " .

قوله : ( ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه ) يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد .

قوله : ( وكان ابن عمر إلخ ) أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طريق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر .

قوله : ( وقال إبراهيم ) يعني النخعي إلخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد " ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم " .

قوله : ( وقال عطاء إلخ ) وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال " قال لي عطاء : حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا ، هو من الصلاة ، هو فاتحة الصلاة " ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء " أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء " وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف .

[ ص: 136 ] قوله : ( وقالت عائشة ) تقدم الكلام عليه في " باب تقضي الحائض المناسك " من كتاب الحيض ، وأن مسلما وصله . وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي ، وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة ، كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن ، وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة ولاختلاف نظر العلماء فيها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم .

قوله : ( حدثنا محمد بن يوسف ) هو الفريابي ، وسفيان هو الثوري .

قوله : ( ههنا وههنا " وهاهنا " بالأذان ) كذا أورده مختصرا ، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال " فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا يقول : حي على الصلاة ، حي على الفلاح " وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين ، وبوب عليه ابن خزيمة " انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله " قال : وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه ، ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ " فجعل يقول في أذانه هكذا ، ويحرف رأسه يمينا وشمالا " وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان : إحداهما الاستدارة ، والأخرى وضع الإصبع في الأذن ، ولفظه عند الترمذي " رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه ههنا وههنا وإصبعاه في أذنيه " فأما قوله " ويدور " فهو مدرج في رواية سفيان عن عون ، بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال " رأيت بلالا أذن فأتبع فاه ههنا وههنا والتفت يمينا وشمالا " .

قال سفيان : كان حجاج - يعني ابن أرطأة - يذكر لنا عن عون أنه قال " فاستدار في أذانه " فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة ، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم ، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان ، لكن لم يسم حجاجا ، وهو مشهور عن حجاج أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون ، لكن الثلاثة ضعفاء ، وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه " ولم يستدر " أخرجه أبو داود ، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ، ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله . ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله ، قال ابن دقيق العيد : فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين ، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة ؟ واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة ، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى ؟ قال : ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما ، قال : والأول أقرب إلى لفظ الحديث . وفي المغني عن أحمد : لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين . وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة ، وله شواهد ذكرتها في " تعليق التعليق " من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال : قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فذكر الحديث وفيه " قال بلال : فجعلت إصبعي في أذني فأذنت " .

ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 137 ] أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه " وفي إسناده ضعف ، قال العلماء في ذلك فائدتان : إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته ، وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال ، ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ، ومن ثم قال بعضهم : يجعل يده فوق أذنه حسب ، قال الترمذي : استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان ، قال : واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا .

( تنبيه ) لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها ، وجزم النووي أنها المسبحة ، وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة .

( تنبيه آخر : وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ " أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه " إلى تخريج البخاري ومسلم ، وهو وهم ، وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عبد الرزاق من غير بيان فما أجاد ، لإيهامه أنهما متوافقتان ، وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج ، وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية