صفحة جزء
باب الرياء والسمعة

6134 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني سلمة بن كهيل ح وحدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سلمة قال سمعت جندبا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسمع أحدا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم غيره فدنوت منه فسمعته يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به
[ ص: 344 ] قوله باب الرياء والسمعة ) الرياء بكسر الراء وتخفيف التحتانية والمد وهو مشتق من الرؤية والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها والسمعة بضم المهملة وسكون الميم مشتقة من سمع والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع والرياء بحاسة البصر وقال الغزالي : المعنى طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة والمرائي هو العامل وقال ابن عبد السلام : الرياء أن يعمل لغير الله والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس

قوله : يحيى ) هو ابن سعيد القطان . وسفيان في الطريقين هو الثوري والسند الثاني أعلى من الأول ولم يكتف به مع علوه لأن في الرواية الأولى مزايا وهي جلالة القطان وما وقع في سياقه من تصريح سفيان بالتحديث ونسبة سلمة شيخ الثوري وهو سلمة بن كهيل بالتصغير ابن حصين الحضرمي والسند الثاني كله كوفيون

قوله ولم أسمع أحدا يقول قال النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره وثبت كذلك عند مسلم في رواية وقائل ذلك هو سلمة بن كهيل " ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة حديثا مسندا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من جندب وهو ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وهو من صغار الصحابة وقال الكرماني : مراده لم يبق من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ غيره في ذلك المكان .

قلت احترز بقوله " في ذلك المكان " عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب وليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أبو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين أن يكون مراده أنه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا

قوله من سمع ) بفتح المهملة والميم الثقيلة والثانية مثلها ، وقوله " ومن يرائي " بضم التحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وقد ثبتت الياء في آخر كل منهما أما الأولى فللإشباع وأما الثانية فكذلك أو التقدير فإنه يرائي به الله ووقع في رواية وكيع عن سفيان عند مسلم من يسمع يسمع الله به ومن يراء يراء الله به ولابن المبارك في الزهد من حديث ابن مسعود من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ومن تطاول تعاظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وفي حديث ابن عباس عند >[1] وهو عند مسلم في كتاب الزهد والرقاق 53 الحديث 47 الرقم العام : 3986 سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن جابر في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة قال الخطابي : معناه من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة ومعنى يرائي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه ومنه قوله : - تعالى - : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها - إلى قوله : - ما كانوا يعملون وقيل المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ; ولا يثاب عليه في الآخرة وقيل المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه وقيل المعنى من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه [ ص: 345 ] ويظهر كذبه وقيل المعنى من يراء الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه قيل معنى سمع الله به شهره أو ملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة قلت ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد فعند أحمد والدارمي من حديث أبي هند الداري رفعه من قام مقام رياء وسمعة راءى الله به يوم القيامة وسمع به ، وللطبراني من حديث عوف ، وله من حديث معاذ مرفوعا ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رءوس الخلائق يوم القيامة وفي الحديث استحباب إخفاء العمل الصالح لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به ويقدر ذلك بقدر الحاجة قال ابن عبد السلام : يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدى به أو لينتفع به ككتابة العلم ومنه حديث سهل الماضي في الجمعة لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي قال الطبري كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم قال فمن كان إماما يستن بعمله عالما بما لله عليه قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل وعلى ذلك جرى عمل السلف فمن الأول حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ ويرفع صوته بالذكر فقال إنه أواب قال فإذا هو المقداد بن الأسود أخرجه الطبري . ومن الثاني حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قام رجل يصلي فجهر بالقراءة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تسمعني وأسمع ربك أخرجه أحمد وابن أبي خيثمة وسنده حسن

التالي السابق


الخدمات العلمية