صفحة جزء
6146 حدثني صدقة أخبرنا عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام يعني موتهم
9735 الحديث الثاني قوله : صدقة ) هو ابن الفضل المروزي وعبدة هو ابن سليمان . وهشام هو ابن عروة .

قوله كان رجال من الأعراب لم أقف على أسمائهم

قوله ( جفاة ) في رواية الأكثر بالجيم وفي رواية بعضهم بالمهملة وإنما وصفهم بذلك أما على رواية الجيم فلأن سكان البوادي يغلب عليهم الشظف وخشونة العيش فتجفو أخلاقهم غالبا وأما على رواية الحاء فلقلة اعتنائهم بالملابس

قوله : متى الساعة ) ؟ في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام " كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن الساعة متى الساعة ؟ وكان ذلك لما طرق أسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن [ ص: 371 ] فأرادوا أن يعرفوا تعيين وقتها

قوله فينظر إلى أصغرهم في رواية مسلم " فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال " ورواية عبدة ظاهرها تكرير ذلك ويؤيد سياق مسلم حديث أنس عنده إن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى تقوم الساعة ولم أقف على اسم هذا بعينه لكنه يحتمل أن يفسر بذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وسأل متى تقوم الساعة وقال اللهم ارحمني ومحمدا ولكن جوابه عن السؤال عن الساعة مغاير لجواب هذا

قوله إن يعش هذا لا يدركه الهرم ) في حديث أنس عند مسلم " وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد " وله في رواية أخرى " وعنده غلام من أزد شنوءة " بفتح المعجمة وضم النون ومد وبعد الواو همزة ثم هاء تأنيث وفي أخرى له " غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني " ولا مغايرة بينهما وطريق الجمع أنه كان من أزد شنوءة وكان حليفا للأنصار وكان يخدم المغيرة وقول أنس " وكان من أقراني " وفي رواية له " من أترابي " يزيد في السن وكان سن أنس حينئذ نحو سبع عشرة سنة

قوله حتى تقوم عليكم ساعتكم ) قال هشام هو ابن عروة راويه يعني موتهم ) وهو موصول بالسند المذكور وفي حديث أنس " حتى تقوم الساعة " قال عياض : حديث عائشة هذا يفسر حديث أنس وأن المراد ساعة المخاطبين وهو نظير قوله : أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها الآن أحد وقد تقدم بيانه في كتاب العلم وأن المراد انقراض ذلك القرن وأن من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مضت مائة سنة من وقت تلك المقالة لا يبقى منهم أحد ووقع الأمر كذلك فإن آخر من بقي ممن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو الطفيل عامر بن واثلة كما جزم به مسلم وغيره وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة وقيل كانت وفاته قبل ذلك فإن كان كذلك فيحتمل أن يكون تأخر بعده بعض من أدرك ذلك الزمان وإن لم يثبت أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه احتج جماعة من المحققين على كذب من ادعى الصحبة أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت وقال الراغب : الساعة جزء من الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيها بذلك لسرعة الحساب قال الله - تعالى - وهو أسرع الحاسبين أو لما نبه عليه بقوله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وأطلقت الساعة على ثلاثة أشياء : الساعة الكبرى وهي بعث الناس للمحاسبة والوسطى وهي موت أهل القرن الواحد نحو ما روي أنه رأى عبد الله بن أنيس فقال إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة فقيل أنه آخر من مات من الصحابة والصغرى موت الإنسان فساعة كل إنسان موته ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - عند هبوب الريح تخوفت الساعة يعني موته انتهى وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم أقف عليه ولا هو آخر من مات من الصحابة جزما قال الداودي : هذا الجواب من معاريض الكلام فإنه لو قال لهم : لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه ولو كان تمكن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد

وقال ابن الجوزي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بأشياء على سبيل القياس وهو دليل معمول به فكأنه لما نزلت عليه الآيات في تقريب الساعة كقوله - تعالى - أتى أمر الله فلا تستعجلوه وقوله - تعالى - وما أمر الساعة إلا كلمح البصر حمل ذلك على أنها لا تزيد على مضي قرن واحد ومن ثم قال في الدجال : إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فجوز خروج الدجال في حياته قال وفيه وجه آخر فذكر نحو ما تقدم

قلت والاحتمال الذي أبداه بعيد جدا والذي قبله هو المعتمد والفرق بين [ ص: 372 ] الخبر عن الساعة وعن الدجال تعيين المدة في الساعة دونه والله أعلم وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أخرى حدث بها خواص أصحابه تدل على أن بين يدي الساعة أمورا عظاما كما سيأتي بعضها صريحا وإشارة ومضى بعضها في علامات النبوة .

وقال الكرماني : هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر

التالي السابق


الخدمات العلمية