صفحة جزء
6169 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه
9764 الحديث الثاني قوله ( مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ) في رواية ابن وهب عن مالك " حدثني سعيد بن أبي سعيد "

قوله من كانت عنده مظلمة لأخيه في رواية الكشميهني " من أخيه "

قوله ليس ثم دينار ولا درهم في حديث ابن عمر رفعه من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته أخرجه ابن ماجه وقد مضى شرحه في كتاب المظالم والمراد بالحسنات الثواب عليها وبالسيئات العقاب عليها وقد استشكل إعطاء الثواب وهو لا يتناهى في مقابلة العقاب وهو متناه وأجيب بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من أصل الثواب ما يوازي العقوبة عن السيئة وأما ما زاد على ذلك بفضل الله فإنه يبقى لصاحبه قال البيهقي سيئات المؤمن على أصول أهل السنة متناهية الجزاء وحسناته غير متناهية الجزاء لأن من ثوابها الخلود في الجنة فوجه الحديث عندي والله أعلم أنه يعطى خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب إن لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل عقوبة سيئاته يعني من المضاعفة لأن ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا والله أعلم قال الحميدي في " كتاب الموازنة الناس ثلاثة " من رجحت حسناته على سيئاته أو بالعكس أو من تساوت [ ص: 405 ] حسناته وسيئاته ، فالأول فائز بنص القرآن والثاني يقتضى منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته والقسم الثالث أصحاب الأعراف وتعقبه أبو طالب عقيل بن عطية في كتابه الذي رد عليه فيه بأن حق العبارة فيه أن يقيد بمن شاء الله أن يعذبه منهم وإلا فالمكلف في المشيئة وصوب الثالث على أحد الأقوال أهل الأعراف قال وهو أرجح الأقوال فيهم . قلت قد قال الحميدي أيضا والحق أن من رجحت سيئاته على حسناته على قسمين من يعذب ثم يخرج من النار بالشفاعة ومن يعفى عنه فلا يعذب أصلا

وعند أبي نعيم من حديث ابن مسعود يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم ، فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة . وعند ابن أبي الدنيا عن حذيفة قال صاحب الميزان يوم القيامة جبريل يرد بعضهم على بعض ولا ذهب يومئذ ولا فضة فيؤخذ من حسنات الظالم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم . أخرج أحمد والحاكم من حديث جابر عن عبد الله بن أنيس رفعه " لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة ؟ قال بالسيئات والحسنات وعلق البخاري طرفا منه في التوحيد كما سيأتي وفي حديث أبي أمامة في نحو حديث أبي سعيد " إن الله يقول لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم وفيه دلالة على موازنة الأعمال يوم القيامة .

وقد صنف فيه الحميدي صاحب " الجمع " كتابا لطيفا وتعقب أبو طالب عقيل بن عطية أكثره في كتاب سماه " تحرير المقال في موازنة الأعمال " وفي حديث الباب وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه رفعه : يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى فقد ضعفه البيهقي وقال تفرد به شداد أبو طلحة والكافر لا يعاقب بذنب غيره لقوله - تعالى - ولا تزر وازرة وزر أخرى وقد أخرج أصل الحديث مسلم من وجه آخر عن أبي بردة بلفظ إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك من النار قال البيهقي : ومع ذلك فضعفه البخاري وقال الحديث في الشفاعة أصح قال البيهقي : ويحتمل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كفرت عنهم في حياتهم وحديث الشفاعة في قوم لم تكفر ذنوبهم ويحتمل أن يكون هذا القول لهم في الفداء بعد خروجهم من النار بالشفاعة وقال غيره يحتمل أن يكون الفداء مجازا عما يدل عليه حديث أبي هريرة الآتي في أواخر " باب صفة الجنة والنار " قريبا بلفظ لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا الحديث وفيه في مقابله " ليكون عليه حسرة " فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له وقد يلاحظ في ذلك قوله - تعالى - وتلك الجنة التي أورثتموها وبذلك أجاب النووي تبعا لغيره وأما رواية غيلان بن جرير فأولها النووي أيضا تبعا لغيره بأن الله يغفر تلك الذنوب للمسلمين فإذا سقطت عنهم وضعت على اليهود والنصارى مثلها بكفرهم فيعاقبون بذنوبهم لا بذنوب المسلمين ويكون قوله " ويضعها " أي يضع مثلها لأنه لما أسقط عن المسلمين سيئاتهم وأبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمل إثم الفريقين لكونهم انفردوا بحمل الإثم الباقي وهو إثمهم ويحتمل أن يكون المراد آثاما كانت الكفار سببا فيها بأن سنوها فلما غفرت سيئات المؤمنين بقيت سيئات الذي سن تلك السنة السيئة باقية لكون الكافر لا يغفر له فيكون الوضع كناية عن إبقاء الذنب [ ص: 406 ] الذي لحق الكافر بما سنه من عمله السيئ ووضعه عن المؤمن الذي فعله بما من الله به عليه من العفو والشفاعة سواء كان ذلك قبل دخول النار أو بعد دخولها والخروج منها بالشفاعة وهذا الثاني أقوى والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية