صفحة جزء
باب وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا وقال منصور بن النعمان عن عكرمة عن ابن عباس وحرم بالحبشية وجب

6238 حدثني محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وقال شبابة حدثنا ورقاء عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
" 9848 قوله باب وحرم على قرية أهلكناها كذا لأبي ذر وفي رواية غيره وحرام بفتح أوله وزيادة الألف وزادوا بقية الآية والقراءتان مشهورتان قرأ أهل الكوفة بكسر أوله وسكون ثانيه وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام بفتحتين وألف وهما بمعنى كالحلال والحل وجاء في الشواذ عن ابن عباس قراءات أخرى بفتح أوله وتثليث الراء وبالضم أشهر وبضم أوله وتشديد الراء المكسورة قال الراغب : في قوله - تعالى - وحرمنا عليه المراضع هو تحريم تسخير وحمل بعضهم عليه قوله وحرام على قرية .

قوله ( لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن و ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) كذا جمع بين بعض كل من الآيتين وهما من سورتين إشارة إلى ما ورد في تفسير ذلك وقد أخرج الطبري من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ما قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا - إلى قوله - كفارا إلا بعد أن نزل عليه وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن . قلت ودخول ذلك في أبواب القدر ظاهر فإنه يقتضي سبق علم الله بما يقع من عبيده

قوله وقال منصور بن النعمان هو اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصري سكن مرو ثم بخارى وما له في البخاري سوى هذا الموضع وقد زعم بعض المتأخرين أن الصواب منصور بن المعتمر والعلم عند الله

قوله عن عكرمة عن ابن عباس : وحرم بالحبشية وجب لم أقف على هذا التعليق موصولا وقرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن وغيره فقالوا أخرجه أبو جعفر عن ابن قهزاد عن أبي عوانة عنه . قلت ولم أقف على ذلك في تفسير أبي جعفر الطبري وإنما فيه وفي تفسير عبد بن حميد وابن أبي حاتم جميعا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله - تعالى - وحرم على قرية أهلكناها قال : وجب ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وحرم عزم ومن طريق عطاء عن عكرمة : وحرم وجب بالحبشية وبالسند الأول قال : وقوله أنهم لا يرجعون أي لا يتوب منهم تائب قال الطبري معناه أنهم أهلكوا بالطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون عن الكفر وقيل معناه يمتنع على الكفرة الهالكين أنهم لا يرجعون إلى عذاب الله وقيل [ ص: 512 ] فيه أقوال أخر ليس هذا موضع استيعابها والأول أقوى وهو مراد المصنف بالترجمة والمطابق لما ذكر معه من الآثار والحديث

" 9849 قوله ( معمر عن ابن طاوس هو عبد الله

قوله عن ابن عباس : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة ) فذكر الحديث ثم قال : وقال شبابة " حدثنا ورقاء هو ابن عمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " فكأن طاوسا سمع القصة من ابن عباس عن أبي هريرة وكان سمع الحديث المرفوع من أبي هريرة أو سمعه من أبي هريرة بعد أن سمعه من ابن عباس وقد أشرت إلى ذلك في أوائل كتاب الاستئذان وبينت الاختلاف في رفع الحديث ووقفه ولم أقف على رواية شبابة هذه موصولة وكنت قرأت بخط مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن أن الطبراني وصلها في المعجم الأوسط عن عمرو بن عثمان عن ابن المنادي عنه وقلدتهما في ذلك في تغليق التعليق ثم راجعت المعجم الأوسط فلم أجدها

قوله : باللمم بفتح اللام والميم هو ما يلم به الشخص من شهوات النفس وقيل هو مقارفة الذنوب الصغار وقال الراغب : اللمم مقارفة المعصية ويعبر به عن الصغيرة ومحصل كلام ابن عباس تخصيصه ببعضها ويحتمل أن يكون أراد أن ذلك من جملة اللمم أو في حكم اللمم

قوله إن الله كتب على ابن آدم ) أي قدر ذلك عليه أو أمر الملك بكتابته كما تقدم بيانه في شرح حديث ابن مسعود الماضي قريبا

قوله أدرك ذلك لا محالة بفتح الميم أي لا بد له من عمل ما قدر عليه أنه يعمله وبهذا تظهر مطابقة الحديث للترجمة قال ابن بطال كل ما كتبه الله على الآدمي فهو قد سبق في علم الله وإلا فلا بد أن يدركه المكتوب عليه وإن الإنسان لا يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه إلا أنه يلام إذا واقع ما نهي عنه بحجب ذلك عنه وتمكينه من التمسك بالطاعة فبذلك يندفع قول القدرية والمجبرة . ويؤيده قوله : والنفس تمنى وتشتهي " لأن المشتهي بخلاف الملجأ

قوله حظه من الزنا إطلاق الزنا على اللمس والنظر وغيرهما بطريق المجاز لأن كل ذلك من مقدماته

قوله فزنا العين النظر أي إلى ما لا يحل للناظر وزنا اللسان المنطق في رواية الكشميهني " النطق " بضم النون بغير ميم في أوله

قوله والنفس تمنى ) بفتح أوله على حذف إحدى التاءين والأصل تتمنى

قوله والفرج يصدق ذلك أو يكذبه يشير إلى أن التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب عكسه فكان الفرج هو الموقع أو الواقع فيكون تشبيها ويحتمل أن يريد أن الإيقاع يستلزم الحكم بها عادة فيكون كناية قال الخطابي : المراد باللمم ما ذكره الله في قوله - تعالى - الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم وهو المعفو عنه وقال في الآية الأخرى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فيؤخذ من الآيتين أن اللمم من الصغائر وأنه يكفر باجتناب الكبائر وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث " من هم بحسنة ومن هم بسيئة " في وسط كتاب الرقاق . وقال ابن بطال : تفضل الله على عباده [ ص: 513 ] بغفران اللمم إذا لم يكن للفرج تصديق بها فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة ونقل الفراء أن بعضهم زعم أن " إلا " في قوله إلا اللمم بمعنى الواو وأنكره وقال إلا صغائر الذنوب فإنها تكفر باجتناب كبارها إنما أطلق عليها زنا لأنها من دواعيه فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب مجازا وفي قوله " والنفس تشتهي والفرج يصدق أو يكذب " ما يستدل به على أن العبد لا يخلق فعل نفسه لأنه قد يريد الزنا مثلا ويشتهيه فلا يطاوعه العضو الذي يريد أن يزني به ويعجزه الحيلة فيه ولا يدري لذلك سببا ولو كان خالقا لفعله لما عجز عن فعل ما يريده مع وجود الطواعية واستحكام الشهوة فدل على أن ذلك فعل مقدر يقدرها إذا شاء ويعطلها إذا شاء

التالي السابق


الخدمات العلمية