صفحة جزء
باب إذا حنث ناسيا في الأيمان وقول الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به وقال لا تؤاخذني بما نسيت

6287 حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا مسعر حدثنا قتادة حدثنا زرارة بن أوفى عن أبي هريرة يرفعه قال إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم
" 9921 [ ص: 558 ] قوله باب إذا حنث ناسيا في الأيمان ) أي هل تجب عليه الكفارة أو لا ؟

قوله وقول الله - تعالى - وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) كذا لأبي ذر ولغيره " وليس " بثبوت الواو في أوله وقد تمسك بهذه الآية من قال بعدم حنث من لم يتعمد وفعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها ووجه بأنه لا ينسب فعله إليه شرعا لرفع حكمه عنه بهذه الآية فكأنه لم يفعله

[ ص: 559 ] قوله لا تؤاخذني بما نسيت قال المهلب : حاول البخاري في إثبات العذر بالجهل والنسيان ليسقط الكفارة والذي يلائم مقصوده من أحاديث الباب الأول وحديث " من أكل ناسيا " وحديث نسيان التشهد الأول وقصة موسى فإن الخضر عذره بالنسيان وهو عبد من عباد الله فالله أحق بالمسامحة قال وأما بقية الأحاديث ففي مساعدتها على مراده نظر . قلت ويساعده أيضا حديث عبد الله بن عمرو وحديث ابن عباس في تقديم بعض النسك على بعض فإنه لم يأمر فيه بالإعادة بل عذر فاعله بجهل الحكم وقال غيره بل أورد البخاري أحاديث الباب على الاختلاف إشارة إلى أنها أصول أدلة الفريقين ليستنبط كل أحد منها ما يوافق مذهبه كما صنع في حديث جابر في قصة جمله فإنه أورد الطرق على اختلافها وإن كان قد بين في الآخر أن إسناد الاشتراط أصح وكذا قول الشعبي في قدر الثمن ; وبهذا جزم ابن المنير في الحاشية فقال أورد الأحاديث المتجاذبة ليفيد الناظر مظان النظر ومن ثم لم يذكر الحكم في الترجمة بل أفاد مراد الحكم والأصول التي تصلح أن يقاس عليها وهو أكثر إفادة من قول المجتهد في المسألة قولان وإن كان لذلك فائدة أيضا انتهى ملخصا والذي يظهر لي أن البخاري يقول بعدم الكفارة مطلقا وتوجيه الدلالة من الأحاديث التي ساقها ممكن وأما ما يخالف ظاهر ذلك فالجواب عنه ممكن فمنها الدية في قتل الخطأ ولولا أن حذيفة أسقطها لكانت له المطالبة بها والجواب أنها من خطاب الوضع وليس الكلام فيه ومنها إبدال الأضحية التي ذبحت قبل الوقت والجواب أنها من جنس الذي قبله

ومنها حديث المسيء صلاته فإنه لو لم يعذره بالجهل لما أقره على إتمام الصلاة المختلة لكنه لما رجا أنه يتفطن لما عابه عليه أمره بالإعادة فلما علم أنه فعل ذلك عن جهل بالحكم علمه وليس في ذلك متمسك لمن قال بوجوب الكفارة في صورة النسيان وأيضا فالصلاة إنما تتقوم بالأركان فكل ركن اختل منها اختلت به ما لم يتدارك وإنما الذي يناسب ما لو فعل ما يبطل الصلاة بعده أو تكلم به فإنها لا تبطل عند الجمهور كما دل عليه حديث أبي هريرة في الباب " من أكل أو شرب ناسيا " قال ابن التين : أجرى البخاري قوله - تعالى - وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به في كل شيء وقال غيره هي في قصة مخصوصة وهي ما إذا قال الرجل يا بني وليس هو ابنه وقيل إذا أتى امرأته حائضا وهو لا يعلم قال والدليل على عدم التعميم أن الرجل إذا قتل خطأ تلزمه الدية وإذا أتلف مال غيره خطأ فإنه يلزمه انتهى وانفصل غيره بأن المتلفات من خطاب الوضع والذي يتعلق بالآية ما يدخل في خطاب التكليف ولو سلم أن الآية نزلت فيما ذكر لم يمنع ذلك من الاستدلال بعمومها وقد أجمعوا على العمل بعمومها في سقوط الإثم وقد اختلف السلف في ذلك على مذاهب ثالثها التفرقة بين الطلاق والعتاق فتجب فيه الكفارة مع الجهل والنسيان بخلاف غيرهما من الأيمان فلا تجب وهذا قول عن الإمام الشافعي ورواية عن أحمد والراجح عند الشافعية التسوية بين الجميع في عدم الوجوب وعن الحنابلة عكسه وهو قول المالكية والحنفية وقال ابن المنذر : كان أحمد يوقع الحنث في النسيان في الطلاق حسب ويقف عما سوى ذلك والمذكور في الباب اثنا عشر حديثا

9922 الحديث الأول قوله ( زرارة بن أوفى ) هو قاضي البصرة مات وهو ساجد أورده الترمذي وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين

قوله عن أبي هريرة يرفعه ) سبق في العتق من رواية سفيان عن مسعر بلفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدل قوله هنا يرفعه وكذا لمسلم من طريق وكيع . وللنسائي والإسماعيلي من طريق عبد الله بن إدريس كلاهما عن مسعر بلفظ " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وقال الكرماني : إنما قال يرفعه ليكون أعم من أن يكون [ ص: 560 ] سمعه منه أو من صحابي آخر سمعه منه قلت ولا اختصاص لذلك بهذه الصيغة بل مثله في قوله قال وعن وإنما يرتفع الاحتمال إذا قال سمعت ونحوها وذكر الإسماعيلي أن وكيعا رواه عن مسعر فلم يرفعه قال والذي رفعه ثقة فيجب المصير إليه

قوله عن أبي هريرة ) لم أقف على التصريح بسماع زرارة لهذا الحديث من أبي هريرة لكنه لم يوصف بالتدليس فيحمل على السماع وذكر الإسماعيلي أن الفرات بن خالد أدخل بين زرارة وبين أبي هريرة في هذا الإسناد رجلا من بني عامر ، وهو خطأ فإن زرارة من بني عامر فكأنه كان فيه عن زرارة رجل من بني عامر فظنه آخر أبهم وليس كذلك

قوله : لأمتي في رواية هشام عن قتادة " تجاوز عن أمتي "

قوله عما وسوست أو حدثت به أنفسها ) في رواية هشام " ما حدثت به أنفسها " ولم يتردد وكذا في رواية سعيد وأبي عوانة عند مسلم وفي رواية ابن عيينة " ما وسوست بها صدورها " ولم يتردد أيضا وضبط أنفسها بالنصب للأكثر ولبعضهم بالرفع وقال الطحاوي بالثاني وبه جزم أهل اللغة يريدون بغير اختيارها كقوله - تعالى - ونعلم ما توسوس به نفسه .

قوله ما لم تعمل به أو تكلم في رواية عبد الله بن إدريس أو تتكلم به قال الإسماعيلي : ليس في هذا الحديث ذكر النسيان وإنما فيه ذكر ما خطر على قلب الإنسان . قلت مراد البخاري إلحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز ; لأن النسيان من متعلقات عمل القلب وقال الكرماني : قاس الخطأ والنسيان على الوسوسة فكما أنها لا اعتبار لها عند عدم التوطن فكذا الناسي والمخطئ لا توطين لهما وقد وقع في رواية هشام بن عمار عن ابن عيينة عن مسعر في هذا الحديث بعد قوله أو تكلم به " وما استكرهوا عليه " وهذه الزيادة منكرة من هذا الوجه وإنما تعرف من رواية الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس بلفظ " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وقد أخرجه ابن ماجه عقب حديث أبي هريرة من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي والحديث عند هشام بن عمار عن الوليد فلعله دخل له بعض حديث في حديث وقد رواه عن ابن عيينة الحميدي وهو أعرف أصحاب ابن عيينة بحديثه وتقدم في العتق عنه بدون هذه الزيادة وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية زياد بن أيوب وابن المقري وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي كلهم عن سفيان بدون هذه الزيادة قال الكرماني : فيه أن الوجود الذهني لا أثر له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات وقد احتج به من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس ولو عزم عليه وانفصل من قال يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من العمل يعني عمل القلب . قلت وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح لأن المفهوم من لفظ " ما لم يعمل " يشعر بأن كل شيء في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن به أم لم يتوطن وقد تقدم البحث في ذلك في أواخر الرقاق في الكلام على حديث " من هم بسيئة لا تكتب عليه " وفي الحديث إشارة إلى عظيم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها - صلى الله عليه وسلم - لقوله : تجاوز لي " وفيه إشعار باختصاصها بذلك بل صرح بعضهم بأنه كان حكم الناسي كالعامد في الإثم وأن ذلك من الإصر الذي كان على من قبلنا ويؤيده ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال " لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على الصحابة " فذكر الحديث في شكواهم ذلك وقوله - صلى الله عليه وسلم - لهم تريدون أن تقولوا مثل ما قال أهل الكتاب سمعنا [ ص: 561 ] وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا فقالوها فنزلت آمن الرسول إلى آخر السورة وفيه قوله لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال نعم وأخرجه من حديث ابن عباس بنحوه وفيه قال قد فعلت

التالي السابق


الخدمات العلمية