صفحة جزء
باب إثم من تبرأ من مواليه

6374 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال قال علي رضي الله عنه ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله غير هذه الصحيفة قال فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل قال وفيها المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل
قوله : ( باب إثم من تبرأ من مواليه ) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد والطبراني من طريق سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن لله عبادا لا يكلمهم الله تعالى الحديث ، وفيه ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم .

وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه عند أحمد : كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق وله شاهد عن أبي بكر الصديق .

وأما حديث الباب لفظه من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومثله لأحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان عن ابن عباس .

ولأبي داود من حديث أنس : فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة وقد مضى شرح حديث الباب في فضل المدينة وفي الجزية ويأتي في الديات ، وفي معنى حديث علي في هذا حديث عائشة مرفوعا : من تولى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار صححه ابن حبان .

ووالد إبراهيم التيمي الراوي له عن علي اسمه يزيد بن شريك ، وقد رواه عن علي جماعة منهم أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي ومضى في كتاب العلم ، وذكرت هناك وفي فضائل المدينة اختلاف الرواة عن علي فيما في الصحيفة وأن جميع ما رووه من ذلك كان فيها ، وكان فيها أيضا ما مضى في الخمس من حديث محمد بن الحنفية أن أباه علي بن أبي طالب أرسله إلى عثمان بصحيفة فيها فرائض الصدقة ، فإن رواية طارق بن شهاب عن علي في نحو حديث الباب عند أحمد أنه كان في صحيفته فرائض الصدقة ، وذكرت في العلم سبب تحديث علي بن أبي طالب بهذا الحديث وإعراب قوله : " إلا كتاب الله " وتفسير الصحيفة وتفسير العقل ، ومما وقع فيه في العلم لا يقتل مسلم بكافر وأحلت بشرحه على كتاب الديات ، والذي تضمنه حديث الباب مما في الصحيفة المذكورة أربعة أشياء : أحدها : الجراحات وأسنان الإبل ، وسيأتي شرحه في الديات ، وهل المراد بأسنان الإبل المتعلقة بالخراج أو المتعلقة بالزكاة أو أعم من ذلك .

ثانيها : المدينة حرم وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه في فضل المدينة في أواخر الحج ، وذكرت فيه ما يتعلق بالسند ، وبيان الاختلاف في تفسير الصرف والعدل .

ثالثها : ومن والى قوما هو المقصود هنا ، وقوله فيه : بغير إذن مواليه قد تقدم هناك أن الخطابي زعم أن له مفهوما وهو أنه إذا استأذن مواليه منعوه ، ثم راجعت كلام الخطابي وهو ليس إذن الموالي شرطا في ادعاء نسب وولاء ليس هو منه وإليه ، وإنما ذكر تأكيدا للتحريم ولأنه إذا استأذنهم منعوه وحالوا بينه وبين ما يفعل من ذلك انتهى ، وهذا لا يطرد ; لأنهم قد يتواطئون معه على ذلك لغرض ما ، والأولى ما قال غيره إن التعبير بالإذن ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه ، وإنما ورد الكلام بذلك على أنه الغالب انتهى .

ويحتمل أن يكون قول " من تولى " شاملا للمعنى الأعم من الموالاة ، وأن منها مطلق النصرة والإعانة والإرث ، ويكون قوله : " بغير إذن مواليه " يتعلق بمفهومه بما عدا الميراث ، ودليل إخراجه حديث إنما الولاء لمن أعتق والعلم عند الله تعالى .

وكأن البخاري لحظ هذا فعقب الحديث بحديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وعن هبته ، فإنه يؤخذ منه عدم اعتبار الإذن في ذلك بطريق الأولى ، لأنه إذا منع السيد من بيع الولاء مع ما تحصل له من العوض ومن هبته مع ما يحصل له من المانة بذلك فمنعه من الإذن بغير عوض ولا مانة أولى ، وهو مندرج في الهبة . وفي الحديث أن انتماء [ ص: 44 ] المولى من أسفل إلى غير مولاه من فوق حرام لما فيه من كفر النعمة وتضييع حق الإرث بالولاء والعقل وغير ذلك ، وبه استدل مالك على ما ذكره عنه ابن وهب في موطئه قال : سئل عن عبد يبتاع نفسه من سيده على أنه يوالي من شاء فقال : لا يجوز ذلك ، واحتج بحديث ابن عمر ثم قال : فتلك الهبة المنهي عنها .

وقد شذ عطاء بن أبي رباح بالأخذ بمفهوم هذا الحديث فقال فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه : إن أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز ، واستدل بهذا الحديث ، قال ابن بطال : وجماعة الفقهاء على خلاف ما قال عطاء ، قال : ويحمل حديث علي على أنه جرى على الغالب مثل قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وقد أجمعوا على أن قتل الولد حرام سواء خشي الإملاق أم لا ، وهو منسوخ بحديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته .

قلت : قد سبق عطاء إلى القول بذلك عثمان ، فروى ابن المنذر أن عثمان اختصموا إليه في نحو ذلك فقال للعتيق : وال من شئت ، وأن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولده ، والحديث الصحيح مقدم على جميع ذلك فلعله لم يبلغ هؤلاء أو بلغهم وتأولوه وانعقد الإجماع على خلاف قولهم .

قال ابن بطال : وفي الحديث أنه لا يجوز للعتيق أن يكتب : فلان ابن فلان ويسمي نفسه ومولاه الذي أعتقه ، بل يقول : فلان مولى فلان ، ولكن يجوز له أن ينتسب إلى نسبه كالقرشي وغيره ، قال : والأولى أن يفصح بذلك أيضا كأن يقول : القرشي بالولاء أو مولاهم . قال : وفيه أن من علم ذلك وفعله سقطت شهادته لما ترتب عليه من الوعيد ويجب عليه التوبة والاستغفار . وفيه جواز لعن أهل الفسق عموما ، ولو كانوا مسلمين .

رابعها : وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجزية ، وأما حديث الباب الثاني فقد مضى في كتاب العتق وأحلت بشرحه على ما هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية