صفحة جزء
باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات وقال أهل العلم يقتل الرجل بالمرأة ويذكر عن عمر تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي صلى الله عليه وسلم القصاص

6492 حدثنا عمرو بن علي بن بحر حدثنا يحيى حدثنا سفيان حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت لددنا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال لا يبقى أحد منكم إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
قوله : ( باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات ) قال ابن المنذر : أجمعوا على أن الرجل يقتل بالمرأة والمرأة بالرجل إلا رواية عن علي وعن الحسن وعطاء ، وخالف الحنفية فيما دون النفس ، واحتج بعضهم بأن اليد الصحيحة لا تقطع باليد الشلاء بخلاف النفس فإن النفس الصحيحة تقاد بالمريضة اتفاقا ، وأجاب ابن القصار بأن اليد الشلاء في حكم الميتة والحي لا يقاد بالميت .

وقال ابن المنذر : لما أجمعوا على القصاص في النفس واختلفوا فيما دونها وجب رد المختلف إلى المتفق .

قوله : ( وقال أهل العلم يقتل الرجل بالمرأة ) المراد الجمهور ، أو أطلق إشارة إلى وهي الطريق إلى علي ، أو إلى أنه من ندرة المخالف .

قوله : ( ويذكر عن عمر : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح ) وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال : " كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر قال : جرح الرجال والنساء سواء " ، وسنده صحيح إن كان النخعي سمعه من شريح ، وقد أخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر فقال : " عن إبراهيم عن شريح ، قال أتاني عروة ، فذكره ، ومعنى قوله : " تقاد " يقتص منها إذا قتلت الرجل ويقطع عضوها الذي تقطعه منه وبالعكس .

قوله : ( وبه قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم وأبو الزناد عن أصحابه ) أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز وعن مغيرة عن إبراهيم النخعي قالوا : القصاص بين الرجل والمرأة في العمد سواء ، وأخرج الأثرم من هذا الوجه عن عمر بن عبد العزيز قال : القصاص فيما بين المرأة والرجل حتى في النفس ، وأخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال : كل من أدركت من فقهائنا - وذكر السبعة في مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين - وقال : وربما اختلفوا في الشيء فأخذنا بقول أكثرهم وأفضلهم رأيا أنهم كانوا يقولون : المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجراح على ذلك وإن من قتلها قتل بها .

قوله : ( وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : القصاص ) كذا لهم ، ووقع للنسفي كتاب الله القصاص والمعتمد ما عند الجماعة ، وهو بالنصب على الإغراء ، قال أبو ذر : كذا وقع [ ص: 224 ] هنا والصواب " الربيع بنت النضر عمة أنس " ، وقال الكرماني : قيل إن الصواب : " وجرحت الربيع " بحذف لفظة أخت ، فإنه الموافق لما تقدم في البقرة من وجه آخر " عن أنس : أن الربيع بنت النضر عمته كسرت ثنية جارية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كتاب الله القصاص " ، قال : إلا أن يقال إن هذه امرأة أخرى ، لكنه لم ينقل عن أحد ، كذا قال .

وقد ذكر جماعة أنهما قصتان ، والمذكور هنا طرف من حديث أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا ، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : القصاص القصاص ، فقالت أم الربيع : يا رسول الله أيقتص من فلانة والله لا يقتص منها ، فقال : سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله فما زالت حتى قبلوا الدية فقال : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره .

والحدث المشار إليه في سورة البقرة مختصر من حديث طويل ساقه البخاري في الصلح بتمامه من طريق حميد عن أنس وفيه فقال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها ، قال : يا أنس ، كتاب الله القصاص ، فرضي القوم وعفوا فقال : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وسيأتي بعد أربعة أبواب أيضا باختصار ، قال النووي قال العلماء : المعروف رواية البخاري ، ويحتمل أن يكونا قصتين .

قلت : وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان وقعتا لامرأة واحدة إحداهما أنها جرحت إنسانا فقضي عليها بالضمان والأخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضي عليها بالقصاص وحلفت أمها في الأولى وأخوها في الثانية .

وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين : ظاهر الخبرين يدل على أنهما قصتان ، فإن قبل هذا الجمع وإلا فثابت أحفظ من حميد .

قلت : في القصتين مغايرات : منها هل الجانية الربيع أو أختها ، وهل الجناية كسر الثنية أو الجراحة ، وهل الحالف أم الربيع أو أخوها أنس بن النضر؟ وأما ما وقع في أول الجنايات عند البيهقي من وجه آخر عن حميد عن أنس قال : " لطمت الربيع بنت معوذ جارية فكسرت ثنيتها " فهو غلط في ذكر أبيها والمحفوظ أنها بنت النضر عمة أنس كما وقع التصريح به في صحيح البخاري ، وفي الحديث أن كل من وجب له القصاص في النفس أو دونها فعفا على مال فرضوا به جاز .

قوله : ( يحيى ) هو القطان وسفيان هو الثوري .

قوله : ( لددنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فقال لا تلدوني ) تقدم شرحه في الوفاة النبوية ، والمراد منه هنا لا يبقى أحد منكم إلا لد فإن فيه إشارة إلى مشروعية الاقتصاص من المرأة بما جنته على الرجل ، لأن الذين لدوه كانوا رجالا ونساء ، وقد ورد التصريح في بعض طرقه بأنهم لدوا ميمونة وهي صائمة من أجل عموم الأمر كما مضى في الوفاة النبوية من وجهين .

قوله : ( غير العباس فإنه لم يشهدكم ) تقدم بيانه أيضا في الوفاة النبوية قبل ، وفي الحديث أن صاحب الحق يستثني من غرمائه من شاء فيعفو عنه ويقتص من الباقين ، وفيه نظر لقوله : لم يشهدكم ، وفيه أخذ الجماعة بالواحد ، قال الخطابي : وفيه حجة لمن رأى القصاص في اللطمة ونحوها ، واعتل من لم ير ذلك بأن اللطم يتعذر ضبطه وتقديره بحيث لا يزيد ولا ينقص ، وأما اللدود فاحتمل أن يكون قصاصا واحتمل أن يكون معاقبة على مخالفة أمره فعوقبوا من جنس جنايتهم .

وفيه أن الشركاء في الجناية يقتص من كل واحد منهم إذا كانت أفعالهم لا تتميز ، بخلاف الجناية في المال لأنها تتبعض ، إذ لو اشترك جماعة في سرقة ربع دينار لم يقطعوا [ ص: 225 ] اتفاقا ، وسيأتي بيان ذلك بعد ستة أبواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية