صفحة جزء
باب السن بالسن

6499 حدثنا الأنصاري حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه أن ابنة النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص
قوله : ( باب السن بالسن ) قال ابن بطال : أجمعوا على قلع السن بالسن في العمد ، واختلفوا في سائر عظام الجسد فقال مالك : فيها القود إلا ما كان مجوفا أو كان كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدية واحتج بالآية ، ووجه الدلالة منها أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد على لسان نبينا بغير إنكار ، وقد دل قوله : " السن بالسن " على إجراء القصاص في العظم ؛ لأن السن عظم إلا ما أجمعوا على أن لا قصاص فيه إما لخوف ذهاب النفس وإما لعدم الاقتدار على المماثلة فيه .

وقال الشافعي والليث والحنفية : لا قصاص في العظم غير السن لأن دون العظم حائلا من جلد ولحم وعصب يتعذر معه المماثلة ، فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص ، ولكنه لا يصل إلى العظم حتى ينال ما دونه مما لا يعرف قدره .

وقال الطحاوي : اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فليلتحق بها سائر العظام ، وتعقب بأنه قياس مع وجود النص فإن في حديث الباب أنها كسرت الثنية فأمرت بالقصاص مع أن الكسر لا تطرد فيه المماثلة .

قوله : ( حدثنا الأنصاري ) هو محمد بن عبد الله وسماه البخاري في روايته عنه هذا الحديث في تفسير سورة البقرة .

قوله : ( عن حميد عن أنس ) في رواية التفسير : " حدثنا حميد أن أنسا حدثه " .

قوله : ( أن ابنة النضر ) تقدم في التفسير بهذا السند عن أنس أن الربيع بضم أوله والتشديد عمته ، وفي تفسير المائدة من رواية الفزاري عن حميد عن أنس : " كسرت الربيع عمة أنس " ، ولأبي داود من طريق معتمر [ ص: 234 ] عن حميد عن أنس : " كسرت الربيع أخت أنس بن النضر " .

قوله : ( لطمت جارية فكسرت ثنيتها ) وفي رواية الفزاري : " جارية من الأنصار " ، وفي رواية معتمر " امرأة " بدل جارية ، وهو يوضح أن المراد بالجارية المرأة الشابة لا الأمة الرقيقة .

قوله : ( فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم ) زاد في الصلح : ومثله لابن ماجه والنسائي من وجه آخر عن أنس : " فطلبوا إليهم العفو فأبوا ، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا " ، أي : طالب أهل الربيع إلى أهل التي كسرت ثنيتها أن يعفوا عن الكسر المذكور مجانا أو على مال فامتنعوا ، زاد في الصلح : " فأبوا إلا القصاص " ، وفي رواية الفزاري : " فطلب القوم القصاص فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - " .

قوله : ( فأمر بالقصاص ) زاد في الصلح : " فقال أنس بن النضر " إلى آخر ما حكيته قريبا في " باب القصاص بين الرجال والنساء " ، وقوله فيه : " فرضي القوم وعفوا " وقع في رواية الفزاري : " فرضي القوم فقبلوا الأرش " وفي رواية معتمر " فرضوا بأرش أخذوه " ، وفي رواية مروان بن معاوية عن حميد عند الإسماعيلي : " فرضي أهل المرأة بأرش أخذوه فعفوا " فعرف أن قوله : " فعفوا " أي على الدية ، زاد معتمر فعجب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أي لأبر قسمه .

ووقع في رواية خالد الطحان عن حميد عن أنس في هذا الحديث عند ابن أبي عاصم " كم من رجل لو أقسم على الله لأبره " ووجه تعجبه أن أنس بن النضر أقسم على نفي فعل غيره مع إصرار ذلك الغير على إيقاع ذلك الفعل فكان قضية ذلك في العادة أن يحنث في يمينه ، فألهم الله الغير العفو فبر قسم أنس ، وأشار بقوله : " إن من عباد الله " إلى أن هذا الاتفاق إنما وقع إكراما من الله لأنس ليبر يمينه ، وأنه من جملة عباد الله الذين يجيب دعاءهم ويعطيهم أربهم .

واختلف في ضبط قوله - صلى الله عليه وسلم - : كتاب الله القصاص فالمشهور أنهما مرفوعان على أنهما مبتدأ وخبر ، وقيل منصوبان على أنه مما وضع فيه المصدر موضع الفعل أي كتب الله القصاص ، أو على الإغراء ، والقصاص بدل منه فينصب ، أو ينصب بفعل محذوف ، ويجوز رفعه بأن يكون خبر مبتدإ محذوف .

واختلف أيضا في المعنى فقيل : المراد حكم كتاب الله القصاص فهو على تقدير حذف مضاف ، وقيل المراد بالكتاب الحكم أي حكم الله القصاص ، وقيل أشار إلى قوله : ( والجروح قصاص ، فعاقبوا ) وقيل إلى قوله : فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وقيل إلى قوله : والسن بالسن في قوله : وكتبنا عليهم فيها بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يرفعه .

وقد استشكل إنكار أنس بن النضر كسر سن الربيع مع سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالقصاص ثم قال " أتكسر سن الربيع " ؟ ثم أقسم أنها لا تكسر ، وأجيب بأنه أشار بذلك إلى التأكيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - في طلب الشفاعة إليهم أن يعفوا عنها ، وقيل كان حلفه قبل أن يعلم أن القصاص حتم فظن أنه على التخيير بينه وبين الدية أو العفو ، وقيل لم يرد الإنكار المحض والرد بل قاله توقعا ورجاء من فضل الله أن يلهم الخصوم الرضا حتى يعفوا أو يقبلوا الأرش ، وبهذا جزم الطيبي فقال : لم يقله ردا للحكم بل نفى وقوعه لما كان له عند الله من اللطف به في أموره والثقة بفضله أن لا يخيبه فيما حلف به ولا يخيب ظنه فيما أراده بأن يلهمهم العفو ، وقد وقع الأمر على ما أراد .

وفيه جواز الحلف فيما يظن وقوعه والثناء على من وقع له ذلك عند أمن الفتنة بذلك عليه ، واستحباب العفو عن القصاص ، والشفاعة في العفو ، وأن الخيرة في القصاص أو الدية للمستحق على المستحق عليه ، وإثبات القصاص بين النساء في الجراحات وفي الأسنان .

وفيه الصلح على الدية ، وجريان القصاص في كسر السن ، ومحله فيما إذا [ ص: 235 ] أمكن التماثل بأن يكون المكسور مضبوطا فيبرد من سن الجاني ما يقابله بالمبرد مثلا ، قال أبو داود في السنن : قلت لأحمد كيف؟ فقال : يبرد . ومنهم من حمل الكسر في هذا الحديث على القلع وهو بعيد من هذا السياق .

التالي السابق


الخدمات العلمية