صفحة جزء
6556 حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا فقال أخبرني بما فرض الله علي من الصيام قال شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا قال أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق وقال بعض الناس في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال فيها فرارا من الزكاة فلا شيء عليه
الحديث الثاني : حديث طلحة بن عبيد الله " أن أعرابيا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس " الحديث وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان أول الصحيح .

[ ص: 347 ] قوله : ( وقال بعض الناس في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمدا أو وهبها أو احتال فيها فرارا من الزكاة فلا شيء عليه ) قال ابن بطال : أجمع العلماء على أن للمرء قبل الحول التصرف في ماله بالبيع والهبة والذبح وإذا لم ينو الفرار من الصدقة وأجمعوا على أنه إذا حال الحول أنه لا يحل التحيل بأن يفرق بين مجتمع أو يجمع بين متفرق ، ثم اختلفوا فقال مالك : من فوت من ماله شيئا ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة عند الحول لقوله - صلى الله عليه وسلم - : خشية الصدقة .

وقال أبو حنيفة إن نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم لا تضره النية لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ولا يتوجه إليه معنى قوله : " خشية الصدقة " إلا حينئذ ، قال : وقال المهلب قصد البخاري أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما منع من جمع الغنم أو تفرقتها خشية الصدقة فهم منه هذا المعنى ، وفهم من حديث طلحة في قوله : أفلح إن صدق أن من رام أن ينقص شيئا من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح ، قال : وما أجاب به الفقهاء من تصرف ذي المال في ماله قرب حلول الحول ثم يريد بذلك الفرار من الزكاة ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط وهو كمن فر عن صيام رمضان قبل رؤية الهلال بيوم واستعمل سفرا لا يحتاج إليه ليفطر فالوعيد إليه يتوجه .

وقال بعض الحنفية : هذا الذي ذكره البخاري ينسب لأبي يوسف وقال محمد : يكره لما فيه من القصد إلى إبطال حق الفقراء بعد وجود سببه وهو النصاب ، واحتج أبو يوسف بأنه امتناع من الوجوب لا إسقاط للواجب ، واستدل بأنه لو كان له مائتا درهم فلما كان قبل الحول بيوم تصدق بدرهم منها لم يكره ، ولو نوى بتصدقه بالدرهم أن يتم الحول وليس في ملكه نصاب فلا يلزمه الزكاة ، وتعقب بأن من أصل أبي يوسف أن الحرمة تجامع الفرض كطواف المحدث أو العاري ، فكيف لا يكون القصد مكروها في هذه الحالة؟

وقوله امتناع من الوجوب معترض ، فإن الوجوب قد تقرر من أول الحول ولذلك جاز التعجيل قبل الحول ، وقد اتفقوا على أن الاحتيال لإسقاط الشفعة بعد وجوبها مكروه وإنما الخلاف فيما قبل الوجوب ، فقياسه أن يكون في الزكاة مكروها أيضا والأشبه أن يكون أبو يوسف رجع عن ذلك فإنه قال في " كتاب الخراج " بعد إيراد حديث " لا يفرق بين مجتمع " ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر منع الصدقة ولا إخراجها عن ملكه لملك غيره ليفرقها بذلك فتبطل الصدقة عنها بأن يصير لكل واحد منهما ما لا تجب فيه الزكاة ، ولا يحتال في إبطال الصدقة بوجه انتهى .

ونقل أبو حفص الكبير راوي " كتاب الحيل " عن محمد بن الحسن أن محمدا قال : ما احتال به المسلم حتى يتخلص به من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال فلا بأس به ، وما احتال به حتى يبطل حقا أو يحق باطلا أو ليدخل به شبهة في حق فهو مكروه والمكروه عنده إلى الحرام أقرب .

وذكر الشافعي أنه ناظر محمدا في امرأة كرهت زوجها وامتنع من فراقها فمكنت ابن زوجها من نفسها فإنها تحرم عندهم على زوجها بناء على قولهم إن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا ، قال فقلت لمحمد : الزنا لا يحرم الحلال لأنه ضده ولا يقاس شيء على ضده فقال : يجمعهما الجماع ، فقلت : الفرق بينهما أن الأول حمدت به وحصنت فرجها والآخر ذمت به ووجب عليها الرجم ، ويلزم أن المطلقة ثلاثا إذا زنت حلت لزوجها ، ومن كان عنده أربع نسوة فزنى بخامسة أن تحرم عليه إحدى الأربع إلى آخر المناظرة .

وقد أشكل قول البخاري في الترجمة " فإن أهلكها " بأن الإهلاك ليس من الحيل بل هو من إضاعة المال ، فإن الحيلة إنما هي لدفع ضرر أو جلب منفعة وليس كل واحد منهما موجودا في ذلك ، ويظهر لي أنه يتصور بأن يذبح الحقتين مثلا وينتفع بلحمهما فتسقط الزكاة بالحقتين وينتقل إلى ما دونهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية