صفحة جزء
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء

6649 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش فقال مروان لعنة الله عليهم غلمة فقال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشأم فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا أنت أعلم
قوله : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء ) زاد في بعض النسخ لأبي ذر : من قريش ، ولم يقع لأكثرهم ، وقد ذكره في الباب من حديث أبي هريرة بدون قوله : سفهاء . وذكر ابن بطال أن علي بن معبد أخرجه يعني في كتاب الطاعة والمعصية من رواية سماك عن أبي هريرة بلفظ " على رءوس غلمة سفهاء من قريش " . قلت : وهو عند أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة " إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش " هذا لفظ أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سماك عن عبد الله بن ظالم ، وتابعه أبو عوانة عن سماك عند النسائي ، ورواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب عن سفيان لكن قال " مالك " بدل " عبد الله " ولفظه : سمعت أبا هريرة يقول لمروان " أخبرني حبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال : فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش . وكذا أخرجه من طريق شعبة عن سماك ، ولم يقف عليه الكرماني فقال : لم يقع في الحديث الذي أورده بلفظ : سفهاء . فلعله بوب به ليستدركه ولم يتفق له ، أو أشار إلى أنه ثبت في الجملة لكنه ليس على شرطه . قلت : الثاني هو المعتمد وقد أكثر البخاري من هذا .

قوله في الترجمة : أغيلمة ) تصغير غلمة جمع غلام وواحد الجمع المصغر غليم بالتشديد يقال للصبي حين يولد إلى أن يحتلم غلام وتصغيره غليم ، وجمعه غلمان وغلمة وأغيلمة ولم يقولوا : أغلمة مع كونه القياس كأنهم استغنوا [ ص: 12 ] عنه بغلمة ، وأغرب الداودي فيما نقله عنه ابن التين فضبط أغيلمة بفتح الهمزة وكسر الغين المعجمة ، وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة غلام تشبيها له بالغلام في قوته ، وقال ابن الأثير المراد بالأغيلمة هنا الصبيان ولذلك صغرهم . قلت : وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل والتدبير والدين ولو كان محتلما وهو المراد هنا ، فإن الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف وهو دون البلوغ وكذلك من أمروه على الأعمال ، إلا أن يكون المراد بالأغيلمة أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم فنسب إليهم ، والأولى الحمل على أعم من ذلك .

قوله : حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو ) زاد في علامات النبوة عن أحمد بن محمد المكي " حدثنا عمرو بن يحيى الأموي " .

قوله : أخبرني جدي ) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، وقد نسب يحيى في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن عمرو بن يحيى إلى جد جده الأعلى فوقع في روايته " حدثنا عمرو بن يحيى بن العاص سمعت جدي سعيد بن سعيد بن العاص . فنسب سعيدا أيضا إلى والد جد جده ، وأبوه عمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بن مروان لما خرج عليه بدمشق بعد السبعين .

قوله : كنت جالسا مع أبي هريرة ) كان ذلك زمن معاوية .

قوله ( ومعنا مروان ) هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي ولي الخلافة بعد ذلك ، وكان يلي لمعاوية إمرة المدينة تارة وسعيد بن العاص - والد عمرو - يليها لمعاوية تارة .

قوله : سمعت الصادق المصدوق ) تقدم بيانه في كتاب القدر ، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وقع في رواية عبد الصمد المذكور أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية له أخرى " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قوله : هلكة أمتي ) في رواية المكي " هلاك أمتي " وهو المطابق لما في " الترجمة " . وفي رواية عبد الصمد : هلاك هذه الأمة " والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم القيامة .

قوله ( على يدي غلمة ) كذا للأكثر بالتثنية ، وللسرخسي والكشميهني : " أيدي ، بصيغة الجمع ، قال ابن بطال : جاء المراد بالهلاك مبينا في حديث آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد ، وابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة ، رفعه أعوذ بالله من إمارة الصبيان ، قالوا وما إمارة التصبيان ؟ قال : إن أطعتموهم هلكتم - أي في دينكم - وإن عصيتموهم أهلكوكم أي في دنياكم بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما ، وفي رواية ابن أبي شيبة " أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول : اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان " وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر ، وهذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة الماضية في علامات النبوة بلفظ : يهلك الناس هذا الحي من قريش " وإن المراد بعض قريش وهم الأحداث منهم لا كلهم ، والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن ، وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، وأما قوله : لو أن الناس اعتزلوهم " محذوف الجواب [ ص: 13 ] وتقديره : لكان أولى بهم - والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن ، ويحتمل أن يكون " لو " للتمني فلا يحتاج إلى تقدير جواب . ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك قال ابن وهب عن مالك : تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا ، وقد صنع ذلك جماعة من السلف .

قوله : فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة ) في رواية عبد الصمد " لعنة الله عليهم من أغيلمة " وهذه الرواية تفسر المراد بقوله في رواية المكي : فقال مروان : غلمة . كذا اقتصر على هذه الكلمة فدلت رواية الباب أنها مختصرة من قوله لعنة الله عليهم غلمة فكان التقدير غلمة عليهم لعنة الله أو ملعونون أو نحو ذلك ، ولم يرد التعجب ولا الاستثبات .

قوله : فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت ) في رواية الإسماعيلي : من بني فلان وبني فلان لقلت . وكأن أبا هريرة كان يعرف أسماءهم ، وكان ذلك من الجواب الذي لم يحدث به ، وتقدمت الإشارة إليه في كتاب العلم ، وتقدم هناك قوله : لو حدثت به لقطعتم هذا البلعوم " .

قوله : فكنت أخرج مع جدي ) قائل ذلك عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو وجده سعيد بن عمرو ، وكان مع أبيه لما غلب على الشام ، ثم لما قتل تحول سعيد بن عمرو إلى الكوفة فسكنها إلى أن مات .

قوله : حين ملكوا الشام ) أي وغيرها لما ولوا الخلافة ، وإنما خصت الشام بالذكر لأنها كانت مساكنهم من عهد معاوية .

قوله : فإذا رآهم غلمانا أحداثا ) هذا يقوي الاحتمال الماضي وأن المراد أولاد من استخلف منهم ، وأما تردده في أيهم المراد بحديث أبي هريرة فمن جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم ، والذي يظهر أن المذكورين من جملتهم ، وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة الصبيان فإن يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه ، وقوله : قلنا أنت أعلم . القائل له ذلك أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك ، وهذا مشعر بأن هذا القول صدر منه في أواخر دولة بني مروان بحيث يمكن عمرو بن يحيى أن يسمع منه ذلك . وقد ذكر ابن عساكر أن سعيد بن عمرو هذا بقي إلى أن وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك وذلك قبيل الثلاثين ومائة ، ووقع في رواية الإسماعيلي أن بين تحديث عمرو بن يحيى بذلك وسماعه له من جده سبعين سنة ، قال ابن بطال : وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم ، فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين .

( تنبيه ) :

يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون ، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جيد ، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية