صفحة جزء
باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما

6672 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد عن رجل لم يسمه عن الحسن قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال أين تريد قلت أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار قيل فهذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد وأنا أريد أن يحدثاني به فقالا إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة حدثنا سليمان حدثنا حماد بهذا وقال مؤمل حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس وهشام ومعلى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن أيوب ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة وقال غندر حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه سفيان عن منصور
قوله باب إذا التقى المسلمان بسيفهما . حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ) وهو الحجبي بفتح المهملة والجيم .

قوله : حماد ) هو ابن زيد وقد نسبه في أثناء الحديث .

قوله : عن رجل لم يسمه ) هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة وكان سيئ الضبط ، هكذا جزم المزي في التهذيب بأنه المبهم في هذا الموضع ، وجوز غيره كمغلطاي أن يكون هو هشام بن حسان وفيه بعد .

قوله : عن الحسن ) هو البصري ( قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة ) كذا وقع في هذه الرواية ، وسقط الأحنف بين الحسن وأبي بكرة كما سيأتي ، والمراد بالفتنة الحرب التي وقعت بين علي ومن معه وعائشة ومن معها ، وقوله " خرجت بسلاحي " في رواية عمر بن شبة عن خالد بن خداش عن حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن " عن الأحنف قال : التحفت علي بسيفي لآتي عليا فأنصره " . وقوله : فاستقبلني أبو بكرة . في رواية مسلم الآتي التنبيه عليها : فلقيني أبو بكرة " .

قوله ( أين تريد ) زاد مسلم في روايته " يا أحنف " .

قوله : نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم " أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني عليا - قال فقال لي : يا أحنف ارجع " .

[ ص: 36 ] قوله ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قوله : فكلاهما من أهل النار ) في رواية الكشميهني في النار " وفي رواية مسلم فالقاتل والمقتول في النار .

قوله : ( قيل فهذا القاتل ) القائل هو أبو بكرة وقع مبينا في رواية مسلم ، لكن شك فقال : فقلت أو قيل " ووقع في رواية أيوب عند عبد الرزاق : قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول " . وقوله " هذا القاتل " مبتدأ وخبره محذوف ، أي هذا القاتل يستحق النار ، وقوله : فما بال المقتول " أي : فما ذنبه .

قوله ( إنه أراد قتل صاحبه ) تقدم في الإيمان بلفظ : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .

قوله ( قال حماد بن زيد ) هو موصول بالسند المذكور .

قوله : فقالا إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة ) يعني أن عمرو بن عبيد أخطأ في حذف الأحنف بين الحسن وأبي بكرة ، لكن وافقه قتادة أخرجه النسائي من وجهين عنه عن الحسن عن أبي بكرة ، إلا أنه اقتصر على الحديث دون القصة ، فكأن الحسن كان يرسله عن أبي بكرة فإذا ذكر القصة أسنده ، وقد رواه سليمان التيمي عن الحسن عن أبي موسى أخرجه النسائي أيضا ، وتعقب بعض الشراح قول البزار لا يعرف الحديث بهذا اللفظ إلا عن أبي بكرة وهو ظاهر ، ولكن لعل البزار يرى أن رواية التيمي شاذة لأن المحفوظ عن الحسن رواية من قال عنه عن الأحنف عن أبي بكرة .

قوله : حدثنا سليمان حدثنا حماد بهذا ) سليمان هو ابن حرب والظاهر أن قوله " بهذا " إشارة إلى موافقة الرواية التي ذكرها حماد بن زيد عن أيوب ويونس بن عبيد ، وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعا عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن أيوب ويونس بن عبيد والمعلى بن زياد ثلاثتهم عن الحسن البصري عن الأحنف بن قيس فساق الحديث دون القصة ، وأخرجه أبو داود عن أبي كامل الجحدري : حدثنا حماد ، فذكر القصة باختصار يسير .

قوله ( وقال مؤمل ) بواو مهموزة وزن محمد ، وهو ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة ، أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين وذلك قبل أن يرحل البخاري ، ولم يخرج عنه إلا تعليقا ، وهو صدوق كثير الخطأ قاله أبو حاتم الرازي ، وقد وصل هذه الطريق الإسماعيلي من طريق أبي موسى محمد بن المثنى : حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا أحمد بن زيد عن أيوب ويونس هو ابن عبيد وهشام عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة " فذكر الحديث دون القصة ، ووصله أيضا من طريق يزيد بن سنان : حدثنا مؤمل حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب ويونس والمعلى بن زياد قالوا حدثنا الحسن . فذكره ، وأخرجه أحمد عن مؤمل عن حماد عن الأربعة ، فكأن البخاري أشار إلى هذه الطريق .

قوله ( ورواه معمر عن أيوب ) . قلت : وصله مسلم وأبو داود والنسائي والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق عنه فلم يسق مسلم لفظه ولا أبو داود ، وساقه النسائي والإسماعيلي فقال : عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث دون القصة ، وفي هذا السند لطيفة وهو أن رجاله كلهم بصريون ، وفيهم ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أيوب ، قال الدارقطني بعد أن ذكر [ ص: 37 ] الاختلاف في سنده : والصحيح حديث أيوب من حديث حماد بن زيد ومعمر عنه .

قوله : ورواه بكار بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة ) . قلت : عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي بكرة ، وقد وقع منسوبا عند ابن ماجه ، ومنهم من نسبه إلى جده فقال عبد العزيز بن أبي بكرة ، وليس له ولا لولده بكار في البخاري إلا هذا الحديث ، وهذه الطريق وصلها الطبراني من طريق خالد بن خداش بكسر المعجمة والدال المهملة وآخره شين معجمة . قال " حدثنا بكار بن عبد العزيز " بالسند المذكور ولفظه " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن فتنة كائنة ، القاتل والمقتول في النار ، إن المقتول قد أراد قتل القاتل " .

قوله : وقال غندر حدثنا شعبة عن منصور ) هو ابن المعتمر ( عن ربعي ) بكسر الراء وسكون الموحدة وهو اسم بلفظ النسب واسم أبيه حراش بكسر المهملة وآخره شين معجمة تابعي مشهور ، وقد وصله الإمام أحمد قال " حدثنا محمد بن جعفر " وهو غندر بهذا السند مرفوعا ولفظه " إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على صاحبه السلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتله وقعا فيها جميعا " وهكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة ومن طريقه أبو عوانة في صحيحه .

قوله ( ولم يرفعه سفيان ) يعني الثوري ( عن منصور ) يعني بالسند المذكور ، وقد وصله النسائي من رواية يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري بالسند المذكور إلى أبي بكرة قال : إذا حمل الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما على جرف جهنم ، فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار " وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الإيمان أوائل الصحيح ، قال العلماء معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلا ، وقيل هو محمول على من استحل ذلك ، ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله فهما في النار استمرار بقائهما فيها . واحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا : يجب الكف حتى لو أراد أحد قتله لم يدفعه عن نفسه . ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فإن أراد أحد قتله دفع عن نفسه ، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين ، وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق ، واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد ، بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين كما سيأتي بيانه في كتاب الأحكام ، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك ، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع والمنع احتياطا لنفسه ولمن نصحه وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى . قال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ، ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء انتهى .

وقد أخرج البزار في حديث " القاتل والمقتول في النار " زيادة تبين المراد وهي : إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار " ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان [ ص: 38 ] لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل ، فقيل : كيف يكون ذلك ؟ قال : الهرج ، القاتل والمقتول في النار قال القرطبي فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله " القاتل والمقتول في النار " . قلت : ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا ، وكلهم متأول مأجور إن شاء الله ، بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا كما سيأتي عن أبي برزة الأسلمي والله أعلم . ومما يؤيد ما تقدم ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة ، رفعه من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية واستدل بقوله " إنه كان حريصا على قتل صاحبه . من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل ، وأجاب من لم يقل بذلك أن في هذا فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ، ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة ، فالقاتل يعذب على القتال والقتل ، والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد ، وقد تقدم البحث في هذه المسألة في كتاب الرقاق عند الكلام على قوله : من هم بحسنة ومن هم بسيئة " وقالوا في قوله تعالى لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت اختيار باب الافتعال في الشر لأنه يشعر بأنه لا بد فيه من المعالجة ، بخلاف الخير فإنه يثاب عليه بالنية المجردة ، ويؤيده حديث إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا والحاصل أن المراتب ثلاث : الهم المجرد وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به ، واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به ، والعزم وهو أقوى من الهم وفيه النزاع .

( تنبيه ) :

ورد في اعتزال الأحنف القتال في وقعة الجمل سبب آخر ، فأخرج الطبري بسند صحيح عن حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن جاوان قال : قلت له أرأيت اعتزال الأحنف ما كان ؟ قال : سمعت الأحنف قال : حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد - يعني النبوي - وفيهم علي والزبير وطلحة وسعد إذ جاء عثمان " . فذكر قصة مناشدته لهم في ذكر مناقبه ، قال الأحنف : فلقيت طلحة والزبير فقلت : إني لا أرى هذا الرجل - يعني عثمان - إلا مقتولا ، فمن تأمراني به ؟ قالا : علي ، فقدمنا مكة فلقيت عائشة وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها : من تأمريني به ؟ قالت : علي ، قال فرجعنا إلى المدينة فبايعت عليا ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك إذ أتاني آت فقال : هذه عائشة وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك ، فأتيت عائشة فذكرتها بما قالت لي ، ثم أتيت طلحة والزبير فذكرتهما " فذكر القصة وفيها : قال فقلت : والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أقاتل رجلا أمرتموني ببيعته ، فاعتزل القتال مع الفريقين . ويمكن الجمع بأنه هم بالترك ثم بدا له في القتال مع علي ثم ثبطه عن ذلك أبو بكرة ، أو هم بالقتال مع علي فثبطه أبو بكرة ، وصادف مراسلة عائشة له فرجح عنده الترك . وأخرج الطبري أيضا من طريق قتادة قال : نزل علي بالزاوية فأرسل إليه الأحنف : إن شئت أتيتك وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف ، فأرسل إليه : كف من قدرت على كفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية