صفحة جزء
باب الفتنة التي تموج كموج البحر وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن قال امرؤ القيس

الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول     حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
ولت عجوزا غير ذات حليل     شمطاء ينكر لونها وتغيرت
مكروهة للشم والتقبيل



6683 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق سمعت حذيفة يقول بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة قال فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليس عن هذا أسألك ولكن التي تموج كموج البحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال عمر أيكسر الباب أم يفتح قال بل يكسر قال عمر إذا لا يغلق أبدا قلت أجل قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب قال نعم كما يعلم أن دون غد ليلة وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب فأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب قال عمر
[ ص: 52 ] [ ص: 53 ] قوله : باب الفتنة التي تموج كموج البحر ) كأنه يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن ضمرة عن علي قال " وضع الله في هذه الأمة خمس فتن " فذكر الأربعة ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم أي لا عقول لهم . ويؤيده حديث أبي موسى : تذهب عقول أكثر ذلك الزمان " وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن حذيفة قال " لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك ; إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل " .

قوله ( وقال ابن عيينة ) هو سفيان ، وقد وصله البخاري في التاريخ الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي : حدثنا سفيان بن عيينة " .

قوله ( عن خلف بن حوشب ) بمهملة ثم معجمة ثم موحدة بوزن جعفر ، وخلف كان من أهل الكوفة روى عن جماعة من كبار التابعين وأدرك بعض الصحابة لكن لم أجد له رواية عن صحابي ، وكان عابدا . وثقه العجلي ، وقال النسائي : لا بأس به ، وأثنى عليه ابن عيينة والربيع بن أبي راشد ، وروى عنه أيضا شعبة ، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع .

قوله : كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن ) أي عند نزولها .

قوله : قال امرؤ القيس ) كذا وقع عند أبي ذر في نسخة ، والمحفوظ أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب الزبيدي كما جزم به أبو العباس المبرد في الكامل ، وكذا رويناه في " كتاب الغرر من الأخبار " لأبي بكر خمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع قال " حدثنا معدان بن علي حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال قال عمرو بن معد يكرب " وبذلك جزم السهيلي في " الروض " ووقع لنا موصولا من وجه آخر وفيه زيادة رويناه في " فوائد الميمون بن حمزة المصري " عن الطحاوي فيما زاده في السنن التي رواها عن المزني عن الشافعي فقال : حدثنا المزني حدثنا الحميدي عن سفيان عن خلف بن حوشب قال قال عيسى ابن مريم للحواريين كما ترك لكم الملوك الحكمة فاتركوا لهم الدنيا " وكان خلف يقول ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة .

قوله الحرب أول ما تكون فتية بفتح الفاء وكسر المثناة وتشديد التحتانية أي شابة ، حكى ابن التين عن سيبويه الحرب مؤنثة وعن المبرد قد تذكر وأنشد له شاهدا قال : وبعضهم يرفع " أول وفتية " لأنه مثل ، ومن نصب أول " قال إنه الخبر ، ومنهم من قدره الحرب أول ما تكون أحوالها إذا كانت فتية ، ومنهم من أعرب أول حالا ، وقال غيره يجوز فيه أربعة أوجه رفع أول ونصب فتية " وعكسه ورفعهما جميعا ونصبهما فمن رفع أول ونصب فتية " فتقديره الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية فالحرب مبتدأ وأول مبتدأ ثان وفتية حال سدت مسد الخبر والجملة خبر الحرب ، ومن عكس فتقديره الحرب في أول أحوالها فتية فالحرب مبتدأ وفتية خبرها وأول منصوب على الظرف ، ومن رفعهما فالتقدير الحرب أول أحوالها فأول مبتدأ ثان أو بدل من الحرب وفتية خبر ، ومن نصبهما جعل أول ظرفا وفتية حالا والتقدير الحرب في أول أحوالها إذا كانت فتية ، و تسعى خبر عنها ، أي الحرب في حال ما هي فتية أي في وقت وقوعها يفر من لم يجربها حتى يدخل فيها فتهلكه .

قوله ( بزينتها ) كذا فيه من الزينة ، ورواه سيبويه ببزتها بموحدة وزاي مشددة والبزة اللباس الجيد .

قوله : إذا اشتعلت ) بشين معجمة وعين مهملة كناية عن هيجانها ، ويجوز في " إذا " أن تكون ظرفية [ ص: 54 ] وأن تكون شرطية والجواب ولت ، وقوله " وشب ضرامها " هو بضم الشين المعجمة ثم موحدة تقول شبت الحرب إذا اتقدت وضرامها بكسر الضاد المعجمة أي اشتعالها .

قوله ( ذات حليل ) بحاء مهملة والمعنى أنها صارت لا يرغب أحد في تزويجها ، ومنهم من قاله بالخاء المعجمة .

قوله ( شمطاء ) بالنصب هو وصف العجوز ، والشمط بالشين المعجمة اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود ، وقال الداودي : هو كناية عن كثرة الشيب . وقوله " ينكر لونها " أي يبدل حسنها بقبح . ووقع في رواية الحميدي : شمطاء جزت رأسها " بدل قوله " ينكر لونها " وكذلك أنشده السهيلي في الروض . وقوله : مكروهة للشم والتقبيل " يصف فاها بالبخر مبالغة في التنفير منها ، والمراد بالتمثل بهذه الأبيات استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة ، فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولا . ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث :

أحدها حديث حذيفة .

قوله ( حدثنا شقيق ) هو أبو وائل بن سلمة الأسدي ، وقد تقدم في الزكاة من طريق جرير عن الأعمش عن أبي وائل .

قوله : سمعت حذيفة يقول : بينا نحن جلوس عند عمر ) تقدم شرحه مستوفى في علامات النبوة ، وسياقه هناك أتم . وخالف أبو حمزة السكري أصحاب الأعمش فقال " عن أبي وائل عن مسروق قال : قال عمر " وقوله هنا " ليس عن هذا أسألك . وقع في رواية ربعي بن حراش عن حذيفة عند الطبراني : لم أسأل عن فتنة الخاصة " . وقوله " ولكن التي تموج كموج البحر ، فقال : ليس عليك منها بأس . في رواية الكشميهني " عليكم " بصيغة الجمع ، ووقع في رواية ربعي ، فقال حذيفة : سمعته يقول : يأتيكم بعدي فتن كموج البحر يدفع بعضها بعضا " فيؤخذ منه جهة التشبيه بالموج وأنه ليس المراد به الكثرة فقط ، وزاد في رواية ربعي : فرفع عمر يده ، فقال : اللهم لا تدركني ، فقال حذيفة : لا تخف " وقوله " إذا لا يغلق أبدا ؟ قلت : أجل " في رواية ربعي " قال حذيفة كسرا ثم لا يغلق إلى يوم القيامة " .

قوله : كما يعلم أن دون غد ليلة ) أي علمه علما ضروريا مثل هذا ، قال ابن بطال : إنما عدل حذيفة حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار بالفتنة الخاصة لئلا يغم ويشتغل باله ، ومن ثم قال له : إن بينك وبينها بابا مغلقا " ولم يقل له أنت الباب وهو يعلم أنه الباب فعرض له بما فهمه ولم يصرح وذلك من حسن أدبه . وقول عمر : إذا كسر لم يغلق . أخذه من جهة أن الكسر لا يكون إلا غلبة والغلبة لا تقع إلا في الفتنة ، وعلم من الخبر النبوي أن بأس الأمة بينهم واقع ، وأن الهرج لا يزال إلى يوم القيامة كما وقع في حديث شداد رفعه : إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة . قلت : أخرجه الطبري وصححه ابن حبان ، وأخرج الخطيب في " الرواة عن مالك : أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال : ما يبكيك ؟ قالت : هذا اليهودي - لكعب الأحبار - يقول : إنك باب من أبواب جهنم ، فقال عمر : ما شاء الله . ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة . فقال : ما هذا ، مرة في الجنة ومرة في النار ؟ فقال : إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها ، فإذا مت اقتحموا .

[ ص: 55 ] قوله : فأمرنا مسروقا ) احتج به من قال إن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية