صفحة جزء
باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان

6699 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال قال سعيد بن المسيب أخبرني أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية
[ ص: 82 ] قوله ( باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان ) ذكر فيه حديثين : أحدهما حديث أبي هريرة

قوله : عن الزهري ) في إحدى روايتي الإسماعيلي " حدثني الزهري " .

قوله : حتى تضطرب ) أي يضرب بعضها بعضا .

قوله : أليات ) بفتح الهمزة واللام جمع ألية بالفتح أيضا مثل جفنة وجفنات ، والألية العجيزة وجمعها أعجاز .

قوله : على ذي الخلصة ) في رواية معمر عن الزهري عند مسلم " حول ذي الخلصة " .

قوله : وذو الخلصة طاغية دوس ) أي صنمهم ، وقوله " التي كانوا يعبدون " كذا فيه بحذف المفعول . ووقع في رواية معمر " وكان صنما تعبدها دوس " .

قوله : في الجاهلية ) زاد معمر " بتبالة " وتبالة بفتح المثناة وتخفيف الموحدة وبعد الألف لام ثم هاء تأنيث قرية بين الطائف واليمن بينهما ستة أيام ، وهي التي يضرب بها المثل فيقال : أهون من تبالة على الحجاج . وذلك أنها أول شيء وليه ، فلما قرب منها سأل من معه عنها فقال : هي وراء تلك الأكمة . فرجع فقال : لا خير في بلد يسترها أكمة ، وكلام صاحب " المطالع " يقتضي أنهما موضعان : وأن المراد في الحديث غير تبالة الحجاج ، وكلام ياقوت يقتضي أنها هي ولذلك لم يذكرها في " المشترك " وعند ابن حبان من هذا الوجه : قال معمر أن عليه الآن بيتا مبنيا مغلقا ، وقد تقدم ضبط ذي الخلصة في أواخر المغازي وبيان الاختلاف في أنه واحد أو اثنان . قال ابن التين : فيه الإخبار بأن نساء دوس يركبن الدواب من البلدان إلى الصنم المذكور ، فهو المراد باضطراب ألياتهن .

قلت : ويحتمل أن يكون المراد أنهن يتزاحمن بحيث تضرب عجيزة بعضهن الأخرى عند الطواف حول الصنم المذكور . وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر قال " لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة " وابن عدي من رواية أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة رفعه لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى قال ابن بطال : هذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ، لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة ، إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ . ثم ذكر حديث لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق الحديث قال : فتبين في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى ، وأن الطائفة التي تبقى على الحق تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة . قال فبهذا تأتلف الأخبار . قلت : ليس فيما احتج به [ ص: 83 ] تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة ، وإنما فيه " حتى يأتي أمر الله " فيحتمل أن يكون المراد بأمر الله ما ذكر من قبض من بقي من المؤمنين ، وظواهر الأخبار تقتضي أن الموصوفين بكونهم ببيت المقدس أن آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام ، ثم إذا بعث الله الريح الطيبة فقبضت روح كل مؤمن لم يبق إلا شرار الناس . وقد أخرج مسلم من حديث ابن مسعود رفعه : لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وسائر الآيات العظام ، وقد ثبت أن الآيات العظام مثل السلك إذا انقطع تناثر الخرز بسرعة ، وهو عند أحمد وفي مرسل أبي العالية " الآيات كلها في ستة أشهر " وعن أبي هريرة في " ثمانية أشهر " وقد أورد مسلم عقب حديث أبي هريرة من حديث عائشة ما يشير إلى بيان الزمان الذي يقع فيه ذلك ولفظه " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " وفيه " يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم " وعنده في حديث عبد الله بن عمرو رفعه : يخرج الدجال في أمتي الحديث وفيه فيبعث الله عيسى ابن مريم فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضته وفيه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان ، ثم ينفخ في الصور فظهر بذلك أن المراد بأمر الله في حديث " لا تزال طائفة " وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها إلا شيئا يسيرا ، ويؤيده حديث عمران بن حصين رفعه " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال " أخرجه أبو داود والحاكم ، ويؤخذ منه صحة ما تأولته ، فإن الذين يقاتلون الدجال يكونون بعد قتله مع عيسى ، ثم يرسل عليهم الريح الطيبة فلا يبقى بعدهم إلا الشرار كما تقدم . ووجدت في هذا مناظرة لعقبة بن عامر ومحمد بن مسلمة ، فأخرج الحاكم من رواية عبد الرحمن بن شماسة أن عبد الله بن عمرو قال : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية . فقال عقبة بن عامر : عبد الله أعلم ما يقول ، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك " فقال عبد الله : أجل ، ويبعث الله ريحا ريحها ريح المسك ومسها مس الحرير فلا تترك أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ، ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة " فعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة " حتى تأتيهم الساعة " ساعتهم هم وهي وقت موتهم بهبوب الريح والله أعلم . وقد تقدم بيان شيء من هذا في أواخر الرقاق عند الكلام على حديث طلوع الشمس من المغرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية