صفحة جزء
باب ذكر الدجال

6705 حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا إسماعيل حدثني قيس قال قال لي المغيرة بن شعبة ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ما سألته وإنه قال لي ما يضرك منه قلت لأنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون على الله من ذلك
[ ص: 97 ] قوله : باب ذكر الدجال ) هو فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية ، وسمي الكذاب دجالا لأنه يغطي الحق بباطله ، ويقال دجل البعير بالقطران إذا غطاه والإناء بالذهب إذا طلاه . وقال ثعلب : الدجال المموه سيف مدجل إذا طلي . وقال ابن دريد : سمي دجالا لأنه يغطي الحق بالكذب ، وقيل لضربه نواحي الأرض ، يقال : دجل مخففا ومشددا إذا فعل ذلك ، وقيل بل قيل ذلك لأنه يغطي الأرض فرجع إلى الأول . وقال القرطبي في " التذكرة " : اختلف في تسميته دجالا على عشرة أقوال . ومما يحتاج إليه في أمر الدجال أصله وهل هو ابن صياد أو غيره ، وعلى الثاني فهل كان موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا ، ومتى يخرج ، وما سبب خروجه ، ومن أين يخرج ، وما صفته ، وما الذي يدعيه ، وما الذي يظهر عند خروجه من الخوارق حتى تكثر أتباعه ، ومتى يهلك ومن يقتله ؟

فأما الأول فيأتي بيانه في " كتاب الاعتصام " في شرح حديث جابر أنه كان يحلف أن ابن صياد هو الدجال .

وأما الثاني فمقتضى حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم الداري الذي أخرجه مسلم أنه كان موجودا في العهد النبوي وأنه محبوس في بعض الجزائر ، وسيأتي بيان ذلك عند شرح حديث جابر أيضا .

وأما الثالث ففي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية . وأما سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنه يخرج من غضبة يغضبها . وأما من أين يخرج ؟ فمن قبل المشرق جزما . ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان ، أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر ، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجها مسلم .

وأما صفته فمذكورة في أحاديث الباب . وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولا فيدعي الإيمان والصلاح ثم يدعي [ ص: 98 ] النبوة ثم يدعي الإلهية كما أخرج الطبراني من طريق سليمان بن شهاب قال " نزل علي عبد الله بن المعتمر وكان صحابيا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الدجال ليس به خفاء ، يجيء من قبل المشرق فيدعو إلى الدين فيتبع ويظهر ، فلا يزال حتى يقدم الكوفة فيظهر الدين ويعمل به فيتبع ويحث على ذلك ، ثم يدعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه ، فيمكث بعد ذلك فيقول : أنا الله ، فتغشى عينه وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى على كل مسلم ، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وسنده ضعيف .

( تنبيه ) :

اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به وتحذير الأنبياء منه والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة ، وأجيب بأجوبة

أحدها أنه ذكر في قوله يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه : ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل : الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها الثاني قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى ابن مريم في قوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وفي قوله تعالى وإنه لعلم للساعة وصح أنه الذي قتل الدجال فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر ، ولكونه يلقب المسيح كعيسى ; لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى .

الثالث أنه ترك ذكره احتقارا ، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله ، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه ؟ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره وأما من لم يجئ بعد فلم يذكر منهم أحدا انتهى . وهذا ينتقض بيأجوج ومأجوج . وقد وقع في تفسير البغوي أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وأن المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق الكل على البعض . وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى . وأما ما يظهر على يده من الخوارق فسيذكر هنا . وأما متى يهلك ومن يقتله ؟ فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة ، ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله أخرجه مسلم أيضا . وسأذكر لفظه . وفي حديث هشام بن عامر " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال أخرجه الحاكم . وعند الحاكم من طريق قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه أنه يخرج - يعني الدجال - في نقص من الدنيا وخفة من الدين وسوء ذات بين ، فيرد كل منهل وتطوى له الأرض الحديث . وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن من طريق كعب الأحبار قال : يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي . ثم يلتمس فلا يقدر عليه ; ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة ، ثم يطلب فلا يدري أين توجه ، ثم يظهر بالمشرق فيعطى الخلافة ، ثم يظهر السحر ، ثم يدعي النبوة فتتفرق الناس عنه ، فيأتي النهر فيأمره أن يسيل إليه فيسيل ، ثم يأمره أن يرجع فيرجع ، ثم يأمره أن ييبس فييبس ويأمر جبل طور وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحا ، ويأمر الريح أن تثير سحابا من البحر فتمطر الأرض ويخوض البحر في يوم ثلاث خوضات فلا يبلغ حقويه ، وإحدى يديه أطول من الأخرى ، فيمد الطويلة في البحر فتبلغ قعره فيخرج من الحيتان ما يريد . وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين من الحلية بسند حسن صحيح إليه قال : لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر [ ص: 99 ] ألف رجل وسبعة آلاف امرأة ، وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله ، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب . وذكر المصنف في الباب أحد عشر حديثا :

قوله : يحيى ) هو القطان " وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وقيس هو ابن أبي حازم " .

قوله : قال لي المغيرة بن شعبة ) عند مسلم من رواية إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم " عن المغيرة بن شعبة " .

قوله : ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته ) في رواية مسلم : أكثر مما سألته " .

قوله ( وأنه قال لي ما يضرك منه ) في رواية مسلم قال " وما ينصبك منه " بنون وصاد مهملة ثم موحدة من النصب بمعنى التعب ، ومثله عنده من رواية يزيد بن هارون عن إسماعيل وزاد " فقال لي أي بني وما ينصبك منه " وعنده من طريق هشيم عن إسماعيل : وما سؤالك عنه ؟ أي وما سبب سؤالك عنه " وقال أبو نعيم في المستخرج : معنى قوله ما ينصبك أي ما الذي يغمك منه من الغم حتى يهولك أمره قلت وهو تفسير باللازم وإلا فالنصب التعب وزنه ومعناه ويطلق على المرض فيه تعبا . قال ابن دريد : يقال نصبه المرض وأنصبه ، وهو تغير الحال من تعب أو وجع .

قوله : قلت لأنهم يقولون ) هو متعلق بمحذوف تقديره الخشية منه مثلا في رواية المستملي أنهم يقولون وهي رواية مسلم والضمير في أنهم للناس أو لأهل الكتاب .

قوله : جبل خبز ) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي والمراد أن معه من الخبز قدر الجبل ، وأطلق الخبز وأراد به أصله وهو القمح مثلا ، زاد في رواية هشيم عند مسلم : معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء " وفي رواية إبراهيم بن حميد : إن معه الطعام والأنهار . وفي رواية يزيد بن هارون : أن معه الطعام والشراب " .

قوله ( ونهر ماء ) بسكون الهاء وبفتحها .

قوله : قال : بل هو أهون على الله من ذلك ) سقط لفظ " بل " من رواية مسلم . وقال عياض : معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين ، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويرتاب الذين في قلوبهم مرض فهو مثل قول الذي يقتله ما كنت أشد بصيرة مني فيك ، لا أن قوله : هو أهون على الله من ذلك " أنه ليس شيء من ذلك معه ، بل المراد أهون من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه ، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرأها من قرأ ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه . قلت : الحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع ومعه جبل من خبز ونهر من ماء أخرجه أحمد والبيهقي في البعث من طريق جنادة بن أبي أمية عن مجاهد قال : انطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال ولا تحدثنا عن غيره " فذكر حديثا فيه تمطر الأرض ولا ينبت الشجر ، ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار ومعه جبل خبز الحديث بطوله ورجاله ثقات ، ولأحمد من وجه آخر عن جنادة عن رجل من الأنصار معه جبال الخبز وأنهار الماء [ ص: 100 ] ولأحمد من حديث جابر معه جبال من خبز والناس في جهد إلا من تبعه ، ومعه نهران الحديث ، فدل ما ثبت من ذلك على أن قوله " هو أهون على الله من ذلك " ليس المراد به ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئا من ذلك ، بل هو على التأويل المذكور ، وسيأتي في الحديث الثامن أن معه جنة ونارا ، وغفل القاضي ابن العربي فقال في الكلام على حديث المغيرة عند مسلم لما قال له لن يضرك ، قال : إن معه ماء ونارا . قلت : ولم أر ذلك في حديث المغيرة . قال ابن العربي : أخذ بظاهر قوله " هو أهون على الله من ذلك " من رد من المبتدعة الأحاديث الثابتة أن معه جنة ونارا وغير ذلك قال : وكيف يرد بحديث محتمل ما ثبت في غيره من الأحاديث الصحيحة : فلعل الذي جاء في حديث المغيرة جاء قبل أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم أمره ويحتمل أن يكون قوله : هو أهون ؛ أي لا يجعل له ذلك حقيقة وإنما هو تخييل وتشبيه على الأبصار فيثبت المؤمن ويزل الكافر ، ومال ابن حبان في صحيحه إلى الآخر فقال : هذا لا يضاد خبر أبي مسعود ، بل معناه أنه أهون على الله من أن يكون نهر ماء يجري ، فإن الذي معه يرى أنه ماء وليس بماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية