صفحة جزء
باب ما يكره من الحرص على الإمارة

6729 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة وقال محمد بن بشار حدثنا عبد الله بن حمران حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة قوله
[ ص: 134 ] قوله ( باب ما يكره من الحرص على الإمارة ) أي على تحصيلها ، ووجه الكراهة مأخوذ مما سبق في الباب الذي قبله .

قوله : عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ) هكذا رواه ابن أبي ذئب مرفوعا ، وأدخل عبد الحميد بن جعفر بين سعيد وأبي هريرة رجلا ولم يرفعه ، وابن أبي ذئب أتقن من عبد الحميد وأعرف بحديث المقبري منه فروايته هي المعتمدة ، وعقبه البخاري بطريق عبد الحميد إشارة منه إلى إمكان تصحيح القولين فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفا على ما رواه عنه عبد الحميد ، وكان عنده عن أبي هريرة بغير واسطة مرفوعا ، إذ وجدت عند كل من الراويين عن سعيد زيادة ; ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع لأن الراوي قد ينشط فيسند وقد لا ينشط فيقف .

قوله : إنكم ستحرصون ) بكسر الراء ويجوز فتحها ، ووقع في رواية شبابة عن ابن أبي ذئب " ستعرضون " بالعين وأشار إلى أنها خطأ .

قوله ( على الإمارة ) دخل فيه الإمارة العظمى وهي الخلافة ، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد ، وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر .

قوله : وستكون ندامة يوم القيامة ) أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي ، وزاد في رواية شبابة " وحسرة " ويوضح ذلك ما أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك بلفظ : أولها ملامة ; وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل . وفي الطبراني الأوسط من رواية شريك عن عبد الله بن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شريك : لا أدري رفعه أم لا ، قال : الإمارة أولها ندامة ، وأوسطها غرامة ، وآخرها عذاب يوم القيامة " وله شاهد من حديث شداد بن أوس رفعه بلفظ أولها ملامة وثانيها ندامة أخرجه الطبراني وعند الطبراني من حديث زيد بن ثابت رفعه : نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقها وحلها ، وبئس الشيء الإمارة لمن أخذها بغير حقها تكون عليه حسرة يوم القيامة وهذا يقيد ما أطلق في الذي قبله ، ويقيده أيضا ما أخرج مسلم عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال : إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها قال النووي : هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف . وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة ، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ، ولذلك امتنع الأكابر منها والله أعلم .

[ ص: 135 ] قوله ( فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) قال الداودي : نعم المرضعة أي الدنيا ، وبئست الفاطمة أي بعد الموت ، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك ، فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه . وقال غيره : نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها ، وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها التبعات في الآخرة .

( تنبيه ) :

ألحقت التاء في " بئس " دون نعم ، والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثا جواز الإلحاق وتركه ، فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك " وقال الطيبي : إنما لم يلحقها بنعم لأن المرضعة مستعارة للإمارة وتأنيثها غير حقيقي فترك إلحاق التاء بها وإلحاقها بئس نظرا إلى كون الإمارة حينئذ داهية دهياء . قال : وإنما أتي بالتاء في الفاطمة والمرضعة إشارة إلى تصوير تينك الحالتين المتجددتين في الإرضاع والفطام .

قوله : وقال محمد بن بشار ) هو بندار ، ووقع في مستخرج أبي نعيم أن البخاري قال " حدثنا محمد بن بشار " وعبد الله بن حمران هو بصري صدوق وقد قال ابن حبان في الثقات : يخطئ وما له في الصحيح إلا هذا الموضع . وعبد الحميد بن جعفر هو المدني لم يخرج له البخاري إلا تعليقا ، وعمر بن الحكم أي ابن ثوبان مدني ثقة أخرج له البخاري في غير هذا الموضع تعليقا ، كما تقدم في الصيام .

قوله ( عن أبي هريرة ) أي موقوفا عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية