صفحة جزء
باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه

6736 حدثنا محمد بن خالد الذهلي حدثنا الأنصاري محمد بن عبد الله قال حدثني أبي عن ثمامة عن أنس بن مالك قال إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير
قوله : باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه ) أي الذي ولاه من غير احتياج إلى استئذانه في خصوص ذلك . ذكر فيه ثلاثة أحاديث : الحديث الأول :

قوله ( حدثنا محمد بن خالد ) قال الحاكم والكلاباذي : أخرج البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به وإنما يقول " حدثنا محمد " وتارة " محمد بن عبد الله " فينسبه لجده وتارة " حدثنا محمد بن خالد " فكأنه نسبه إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس . قلت : ويؤيده أنه وقع منسوبا في حديث آخر أخرجه عند الأكثر في الطب " عن محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية " فوقع في رواية الأصيلي " حدثنا محمد بن خالد الذهلي " وكذا هو في نسخة الصغاني ، وأخرج ابن الجارود الحديث [ ص: 144 ] المذكور عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب المذكور ، وقال خلف في " الأطراف " : هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي ، وتعقبه ابن عساكر فقال : عندي أنه الذهلي . وقال المزي في " التهذيب " : قول خلف إنه الرافقي ليس بشيء . قلت : قد ذكر أبو أحمد بن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد بن جبلة ، لكن عرفه بروايته عنه عن عبيد الله بن موسى ، والحديث الذي أشار إليه وقع في التوحيد لكن قال فيه : حدثنا محمد بن خالد " فقط ولم ينسبه لجده جبلة ، وهو بفتح الجيم والموحدة ، ولا لبلده الرافقة وهي بفاء ثم قاف . وقد ذكر الدارقطني أيضا في شيوخ البخاري محمد بن خالد الرافقي ، وأخرج النسائي عنه فنسبه لجده فقال أخبرنا محمد بن جبلة فقال المزي في ترجمته هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وقد أخرج البخاري عن محمد بن خالد عن محمد بن موسى بن أعين حديثا فقال المزي في " التهذيب " : قيل هو الرافقي ، وقيل هو الذهلي وهو أشبه وسقط محمد بن خالد من هذا السند من أطراف أبي مسعود فقال ( خ ) في الأحكام عن محمد بن عبد الله الأنصاري نفسه عن أبيه ، قال المزي في " الأطراف " : كذا قال أبو مسعود ، يعني والصواب ما وقع في جميع النسخ أن بين البخاري وبين الأنصاري في هذا الحديث واسطة وهو محمد بن خالد المذكور ، وبه جزم خلف في " الأطراف " أيضا كما تقدم والله أعلم . قلت : ويؤيد كونه عن الذهلي أن الترمذي أخرجه في المناقب عن محمد بن يحيى وهو الذهلي به .

قوله ( حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ) هكذا للأكثر ، وفي رواية أبي زيد المروزي " حدثنا الأنصاري محمد " فقدم النسبة على الاسم ولم يسم أباه .

قوله : حدثني أبي ) في رواية أبي زيد " حدثنا " وهو عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس ، وثمامة شيخه هو عم أبيه وقد أخرج البخاري عن الأنصاري بلا واسطة عدة أحاديث في الزكاة والقصاص وغيرهما ، وروي عنه بواسطة في عدة في الاستسقاء وفي بدء الخلق ، وفي شهود الملائكة بدرا وغيرها .

قوله ( أن قيس بن سعد ) زاد في رواية المروزي " ابن عبادة " وهو الأنصاري الخزرجي الذي كان والده رئيس الخزرج . وصنيع الترمذي يوهم أنه قيس بن سعد بن معاذ ، فإنه أخرج حديث الباب في مناقب سعد بن معاذ فلا يغتر بذلك .

قوله : كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ) قال الكرماني : فائدة تكرار لفظ الكون إرادة بيان الدوام والاستمرار انتهى . وقد وقع في رواية الترمذي وابن حبان والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظ " كان قيس بن سعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم " فظهر أن ذلك من تصرف الرواة .

قوله : بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ) زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن مرزوق عن الأنصاري " لما ينفذ من أموره " وهذه الزيادة مدرجة من كلام الأنصاري ، بين ذلك الترمذي ، فإنه أخرج الحديث عن محمد بن مرزوق إلى قوله " الأمير " ثم قال " قال الأنصاري لما يلي من أموره " وقد خلت سائر الروايات عنها ، وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث " احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا عليه " وهذا يدل على أنه فهم من الحديث أن ذلك وقع لقيس بن سعد على سبيل الوظيفة الراتبة ، وهو الذي فهمه الأنصاري راوي الحديث ; لكن يعكر عليه ما زاده الإسماعيلي فقال حدثنا الهيثم بن خلف عن محمد بن المثنى عن الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة ، قال الأنصاري : ولا أعلمه إلا عن أنس قال : لما قدم النبي صلى الله [ ص: 145 ] عليه وسلم كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير ، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم في قيس أن يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك " ثم أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى ومحمد بن أبي سويد جميعا عن محمد بن المثنى عن الأنصاري بمثل لفظ محمد بن مرزوق بدون الزيادة التي في آخره ، قال : ولم يشك في كونه عن أنس . قلت : وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق بشر بن آدم ابن بنت السمان عن الأنصاري لكن لم ينفرد الهيثم ولا شيخه محمد بن المثنى بالزيادة المذكورة ، فقد أخرجه ابن منده في " المعرفة " عن محمد بن عيسى قال : حدثنا أبو حاتم الرازي عن الأنصاري بطوله ، فكأن القدر المحقق وصله من الحديث هو الذي اقتصر عليه البخاري وأكثر من أخرج الحديث ، وأما الزيادة فكان الأنصاري يتردد في وصلها ، وعلى تقدير ثبوتها فلم يقع ذلك لقيس بن سعد إلا في تلك المرة ولم يستمر مع ذلك فيها . والشرطة بضم المعجمة والراء والنسبة إليها شرطي بضمتين وقد تفتح الراء فيهما هم أعوان الأمير ، والمراد بصاحب الشرطة كبيرهم ، فقيل سموا بذلك لأنهم رذالة الجند ، ومنه في حديث الزكاة : ولا الشرط اللئيمة " أي رديء المال ، وقيل لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند ، منه في حديث الملاحم " وتشترط شرطة للموت " أي متعاقدون على أن لا يفروا ولو ماتوا . قال الأزهري : شرط كل شيء خياره ومنه الشرط لأنهم نخبة الجند . وقيل هم أول طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة ، وقيل سموا شرطا لأن لهم علامات يعرفون بها من هيئة وملبس وهو اختيار الأصمعي ، وقيل لأنهم أعدوا أنفسهم لذلك يقال أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها قاله أبو عبيد ، وقيل مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيه من الشدة . وقد استشكلت مطابقة الحديث للترجمة فأشار الكرماني إلى أنها تؤخذ من قوله " دون الحاكم " لأن معناه عند ، وهذا جيد إن ساعدته اللغة ، وعلى هذا فكأن قيسا كان من وظيفته أن يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره سواء كان خاصا أم عاما ، قال الكرماني : ويحتمل أن تكون " دون " بمعنى " غير " قال : وهو الذي يحتمله الحديث الثاني لا غير . قلت : فيلزم أن يكون استعمل في الترجمة " دون " في معنيين . وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدث بعده ، لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال " وإنما حدث في دولة بني أمية فأراد أنس تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية