1. الرئيسية
  2. فتح الباري شرح صحيح البخاري
  3. كتاب الأحكام
  4. باب الشهادة على الخط المختوم وما يجوز من ذلك وما يضيق عليهم وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي
صفحة جزء
باب الشهادة على الخط المختوم وما يجوز من ذلك وما يضيق عليهم وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي وقال بعض الناس كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ثم قال إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل فالخطأ والعمد واحد وقد كتب عمر إلى عامله في الجارود وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت وقال إبراهيم كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ويروى عن ابن عمر نحوه وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي شهدت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة وإياس بن معاوية والحسن وثمامة بن عبد الله بن أنس وبلال بن أبي بردة وعبد الله بن بريدة الأسلمي وعامر بن عبيدة وعباد بن منصور يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب إنه زور قيل له اذهب فالتمس المخرج من ذلك وأول من سأل على كتاب القاضي البينة ابن أبي ليلى وسوار بن عبد الله وقال لنا أبو نعيم حدثنا عبيد الله بن محرز جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو بالكوفة وجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازه وكره الحسن وأبو قلابة أن يشهد على وصية حتى يعلم ما فيها لأنه لا يدري لعل فيها جورا وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب وقال الزهري في الشهادة على المرأة من وراء الستر إن عرفتها فاشهد وإلا فلا تشهد

6743 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قالوا إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة كأني أنظر إلى وبيصه ونقشه محمد رسول الله
قوله : باب الشهادة على الخط المختوم ) كذا للأكثر بمعجمة ثم مثناة ، وفي رواية الكشميهني " المحكوم " بمهملة ثم كاف أي المحكوم به ، وسقطت هذه اللفظة لابن بطال ، ومراده هل تصح الشهادة على الخط أي بأنه خط فلان ، وقيد بالمختوم لأنه أقرب إلى عدم التزوير على الخط .

قوله : وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه ) يريد أن القول بذلك لا يكون على التعميم إثباتا ونفيا ، بل لا يمنع ذلك مطلقا فتضيع الحقوق ، ولا يعمل بذلك مطلقا فلا يؤمن فيه التزوير فيكون جائزا بشروط .

قوله : وكتاب الحاكم إلى عامله والقاضي إلى القاضي ) يشير إلى الرد على من أجاز الشهادة على الخط ولم يجزها في " كتاب القاضي " و " كتاب الحاكم " وسيأتي بيان من قاله والبحث معه فيه .

[ ص: 151 ] قوله ( وقال بعض الناس : كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ، ثم قال : إن كان القتل خطأ فهو جائز لأن هذا مال بزعمه ، وإنما صار مالا بعد أن ثبت القتل ) قال ابن بطال : حجة البخاري على من قال ذلك من الحنفية واضحة لأنه إذا لم يجز الكتاب بالقتل فلا فرق بين الخطأ والعمد في أول الأمر ، وإنما يصير مالا بعد الثبوت عند الحاكم ، والعمد أيضا ربما آل إلى المال فاقتضى النظر التسوية .

قوله : وقد كتب عمر إلى عامله في الحدود ) في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني " في الجارود " بجيم خفيفة وبعد الألف راء مضمومة وهو ابن المعلى ويقال ابن عمرو بن المعلى العبدي ، ويقال كان اسمه بشرا والجارود لقبه ، وكان الجارود المذكور قد أسلم وصحب ثم رجع إلى البحرين فكان بها ، وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين أخرجها عبد الرزاق من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال استعمل عمر قدامة بن مظعون فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر فقال إن قدامة شرب فسكر فكتب عمر إلى قدامة في ذلك ، فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه ، وفي احتجاج قدامة بآية المائدة وفي رد عمر عليه وجلده الحد وسندها صحيح ، وقد تقدم في آخر الحدود ، ونزول الجارود البصرة بعد ذلك واستشهد في خلافة عمر سنة عشرين .

قوله ( وكتب عمر بن عبد العزيز في سن كسرت ) وصله أبو بكر الخلال في " كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق عن أبيه قال " كتب إلي عمر بن عبد العزيز كتابا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت " .

قوله : وقال إبراهيم : كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف الكتاب والخاتم ) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عن إبراهيم .

قوله ( وكان الشعبي يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ) وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة قال " كان عامر يعني الشعبي يجيز الكتاب المختوم يجيئه من القاضي " وأخرج عبد الرزاق من وجه آخر عن الشعبي قال : لا يشهد ولو عرف الكتاب والخاتم حتى يذكر " ويجمع بينهما بأن الأول إذا كان من القاضي إلى القاضي والثاني في حق الشاهد .

قوله ( ويروى عن ابن عمر نحوه ) قلت : لم يقع لي هذا الأثر عن ابن عمر إلى الآن .

قوله : وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي ) هو المعروف بالضال بضاد معجمة ولام ثقيلة ، سمي بذلك لأنه ضل في طريق مكة ؛ قاله عبد الغني بن سعيد المصري ، ووثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي ، ومات سنة ثمانين ومائة ، وكان معمرا أدرك أبا رجاء العطاردي ، وقد وصل أثره هذا وكيع في مصنفه عنه .

قوله ( شهدت ) أي حضرت ( عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة ) هو الليثي تابعي ثقة ، وكان يزيد بن هبيرة ولاه قضاء البصرة لما ولي إمارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ذكر ذلك عمر بن شبة في أخبار البصرة وقال : إنه مات وهو على القضاء ، وأرخه ابن حبان في الثقات سنة مائة فوهم ، وذكر ابن سعد أنه كان قاضيا قبل الحسن ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، والصواب بعد الحسن ، وقول عمر بن شبة هو المعتمد وأن ابن هبيرة هو الذي ولاه ومات على القضاء بعد ذلك بعد المائة بسنتين أو ثلاث ، ويقال بل عاش إلى [ ص: 152 ] خلافة هشام بن عبد الملك فعزله خالد بن عبد الله القسري وولى ثمامة بن عبد الله بن أنس .

قوله ( وإياس بن معاوية ) بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية هو المزني المعروف بالذكاء وكان قد ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز ولاه عدي بن أرطاة عامل عمر عليها بعد امتناعه منه ، وله في ذلك أخبار ، منها ما ذكره الكرابيسي في " أدب القضاء " قال : حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا عبد الله بن عمر القيسي قال : قالوا لإياس لما امتنع من الولاية يا أبا واثلة اختر لنا ، قال : لا أتقلد ذلك ، قيل له لو وجدت رجلا ترضاه أكنت تشير به ؟ قال : نعم ، قيل وترضى له أن يلي إذا كان رضا ؟ قال : نعم ، قيل له فإنك خيار ، رضا ، فلم يزالوا به حتى ولي . قلت : ثم وقع بينهما فركب إياس إلى عمر بن عبد العزيز ، فبادر عدي فولى الحسن البصري القضاء ، فكتب عمر ينكر على عدي ما ذكره عنه إياس ويوفق صنعه في تولية الحسن القضاء ؛ ذكر ذلك عمر بن شبة ، ومات إياس سنة اثنتين وعشرين ومائة ، وهو ثقة عند الجميع .

قوله : والحسن ) هو ابن أبي الحسن البصري الإمام المشهور ، وكان ولي قضاء البصرة مدة لطيفة ولاه عدي أميرها لما ذكرنا ، ومات الحسن سنة عشر ومائة .

قوله : وثمامة بن عبد الله بن أنس ) هو الراوي المشهور ، وكان تابعيا ثقة ، ناب في القضاء بالبصرة عن أبي بردة ، ثم ولي قضاء البصرة أيضا في أوائل خلافة هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري سنة ست ومائة وعزله سنة عشر وقيل سنة تسع ، وولى بلال بن أبي بردة ، ومات ثمامة بعد ذلك .

قوله ( وبلال بن أبي بردة ) أي ابن أبي موسى الأشعري ، وكان صديق خالد بن عبد الله القسري فولاه قضاء البصرة لما ولي إمرتها من قبل هشام بن عبد الملك ، وضم إليه الشرطة ، فكان أميرا قاضيا ، ولم يزل قاضيا إلى أن قتله يوسف بن عمر الثقفي لما ولي الإمرة بعد خالد ، وعذب خالدا وعماله ومنهم بلال ، وذلك في سنة عشرين ومائة ، ويقال إنه مات في حبس يوسف ، وقد أخرج له الترمذي حديثا واحدا ، ولم يكن محمودا في أحكامه ، ويقال إنه كان يقول إن الرجلين ليختصمان إلي فأجد أحدهما أخف على قلبي فأقضي له ، ذكر ذلك أبو العباس المبرد في الكامل .

قوله ( وعبد الله بن بريدة الأسلمي ) هو التابعي المشهور ، وكان ولي قضاء مرو بعد أخيه سليمان سنة خمس عشرة ومائة إلى أن مات وهو على قضائها سنة خمس عشرة ومائة ، وذلك في ولاية أسد بن عبد الله القسري على خراسان وهو أخو خالد القسري ، وحديث عبد الله بن بريدة بن الخصيب هذا في الكتب الستة .

قوله : وعامر بن عبدة ) هو بفتح الموحدة وقيل بسكونها ؛ ذكره ابن ماكولا بالوجهين ، وقيل فيه أيضا عبيدة بكسر الموحدة وزيادة ياء ، وجميع من في البخاري بالسكون إلا بجالة بن عبدة المقدم ذكره في " كتاب الجزية " فإنه بالتحريك ، وعامر هو البجلي أبو إياس الكوفي ووثقه ابن معين وغيره ، وهو من قدماء التابعين له رواية عن ابن مسعود ، وروى عنه المسيب بن رافع وأبو إسحاق ، وحديثه عند النسائي ، وكان ولي القضاء بالكوفة مرة وعمر .

قوله ( وعباد بن منصور ) أي الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة بصري ، قال أبو داود : ولي قضاء البصرة خمس مرات " وذكر عمر بن شبة أنه أول ما ولي سنة سبع وعشرين ولاه يزيد بن عمر بن هبيرة " فلما [ ص: 153 ] عزل وولي مسلم بن قتيبة عزله وولى معاوية بن عمرو ، ثم استعفى فأعفاه مسلم ، وأعاد عباد بن منصور ، وكان عباد يرمى بالقدر ويدلس فضعفوه بسبب ذلك ، ويقال إنه تغير ، وحديثه في السنن الأربعة ، وعلق له البخاري شيئا ، ومات سنة اثنتين وخمسين ومائة .

قوله : يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود إلخ ) يعني قوله " فالتمس المخرج " وهو بفتح الميم وسكون المعجمة وآخره جيم أطلب الخروج من عهدة ذلك إما بالقدح في البينة بما يقبل فتبطل الشهادة ، وإما بما يدل على البراءة من المشهود به .

قوله ( وأول من سأل على " كتاب القاضي " البينة ابن أبي ليلى ) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة وإمامها ، وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد ومات سنة ثمان وأربعين ومائة وهو صدوق ، اتفقوا على ضعف حديثه من قبل سوء حفظه . وقال الساجي : كان يمدح في قضائه ، فأما في الحديث فليس بحجة . وقال أحمد : فقه ابن أبي ليلى أحب إلي من حديثه . وحديثه في السنن الأربعة ، وأغفل المزي أن يعلم له في " التهذيب " علامة تعليق البخاري ، كما أغفل أن يترجم لسوار بن عبد الله المذكور بعده أصلا مع أنه أعلم لكل من ذكره معاوية بن عبد الكريم هنا ممن لم يخرج له شيئا موصولا .

قوله : وسوار بن عبد الله ) بفتح المهملة وتشديد الواو وهو العنبري نسبة إلى بني العنبر من بني تميم ، قال ابن حبان في الثقات : كان فقيها ولاه المنصور قضاء البصرة سنة ثمان وثلاثين ومائة فبقي على قضائها إلى أن مات في ذي القعدة سنة ست وخمسين ، وحفيده سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله ولي قضاء الرصافة ببغداد والجانب الشرقي ، وحديثه في السنن الثلاثة ، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين .

قوله : وقال لنا أبو نعيم ) هو الفضل بن دكين .

قوله : حدثنا عبيد الله ) بالتصغير ( ابن محرز ) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي هو كوفي ، ما رأيت له راويا غير أبي نعيم ، وما له في البخاري سوى هذا الأثر ، ولم يزد المزي في ترجمته على ما تضمنه هذا الأثر .

قوله ( جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة ) أي ابن مالك التابعي المشهور ، وكان ولي قضاء البصرة في ولاية الحكم بن أيوب الثقفي ، وهو ثقة حديثه في الكتب الستة ، وقال ابن حبان في الثقات : مات بعد أخيه النضر بالبصرة ، وكانت وفاة النضر قبل وفاة الحسن البصري سنة ثمان أو تسع ومائة .

قوله : فجئت به القاسم بن عبد الرحمن ) أي ابن عبد الله بن مسعود المسعودي يكنى أبا عبد الرحمن ، وقال العجلي : ثقة وكان على قضاء الكوفة زمن عمر بن عبد العزيز ، " وكان لا يأخذ على القضاء أجرا ، وكان ثقة صالحا " وهو تابعي . قال ابن المديني : لم يلق من الصحابة إلا جابر بن سمرة ، ويقال إنه مات سنة ست عشرة ومائة .

قوله ( فأجازه ) بجيم وزاي أي أمضاه وعمل به .

( تنبيه ) :

وقع في المغني لابن قدامة : يشترط في قول أئمة الفتوى أن يشهد " بكتاب القاضي إلى القاضي " شاهدان عدلان ولا تكفي معرفة خط القاضي وختمه ، وحكى عن الحسن وسوار والحسن العنبري أنهم قالوا : إذا [ ص: 154 ] كان يعرف خطه وختمه قبله ، وهو قول أبي ثور . قلت : وهو خلاف ما نقله البخاري عن سوار أنه أول من سأل البينة ، وينضم إلى من ذكرهم ابن قدامة سائر من ذكرهم البخاري من قضاة الأمصار من التابعين فمن بعدهم .

قوله : وكره الحسن ) هو البصري ، وأبو قلابة هو الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء .

قوله : أن يشهد ) بفتح أوله والفاعل محذوف أي الشاهد .

قوله ( على وصية حتى يعلم ما فيها ) أما أثر الحسن فوصله الدارمي من رواية هشام بن حسان عنه قال : لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ، ولا تشهد على من لا تعرف ، وأخرجه سعيد بن منصور من طريق يونس بن عبيد عن الحسن نحوه . وأما أثر أبي قلابة فوصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان جميعا من طريق حماد بن زيد عن أيوب قال : قال أبو قلابة في الرجل يقول اشهدوا على ما في هذه الصحيفة ، قال : لا حتى يعلم ما فيها زاد يعقوب وقال : لعل فيها جورا . وفي هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور . وقد وافق الداودي من المالكية هذا القول فقال : هذا هو الصواب أنه لا يشهد على وصية حتى يعرف ما فيها . وتعقبه ابن التين بأنها إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل ، لأن الحاكم قادر على رده إذا أوجب حكم الشرع رده ، وما عداه يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعا من التحمل ، وإنما المانع الجهل بما يشهد به . قال : ووجه الجور أن كثيرا من الناس يرغب في إخفاء أمره لاحتمال أن لا يموت فيحتاط بالإشهاد ويكون حاله مستمرا على الإخفاء .

قوله : وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر إلخ ) هذا طرف من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة حويصة ومحيصة وقتل عبد الله بن سهل بخيبر ; وقد تقدم شرحه مستوفى في الديات في " باب القسامة " ويأتي بهذا اللفظ في " باب كتابة الحاكم إلى عماله " بعد أحد وعشرين بابا .

قوله : وقال الزهري في الشهادة على المرأة من الستر ) أي من ورائه .

قوله ( إن عرفتها فاشهد ) وصله أبو بكر بن أبي شيبة من طريق جعفر بن برقان عن الزهري بنحوه ، ومقتضاه أنه لا يشترط أن يراها حالة الإشهاد بل يكفي أن يعرفها بأي طريق فرض ، وفي ذلك خلاف أشير إليه في " كتاب الشهادات " .

قوله : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم ) كان ذلك في سنة ست كما تقدم بيانه في شرح حديث أبي سفيان الطويل المذكور في بدء الوحي .

قوله : ( قالوا إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما ) لم أعرف اسم القائل بعينه .

قوله : فاتخذ خاتما إلخ ) تقدم شرحه مستوفى في أواخر اللباس ، وجملة ما تضمنته هذه الترجمة بآثارها ثلاثة أحكام : الشهادة على الخط ، وكتاب القاضي إلى القاضي ، والشهادة على الإقرار بما في الكتاب .

وظاهر صنيع البخاري جواز جميع ذلك ، فأما الحكم الأول فقال ابن بطال : اتفق العلماء على أن الشهادة لا تجوز للشاهد إذا رأى خطه إلا إذا تذكر تلك الشهادة ، فإن كان لا يحفظها فلا يشهد ، فإنه من شاء انتقش خاتما ومن شاء كتب كتابا ، وقد فعل مثله في أيام عثمان في قصة مذكورة في سبب قتله ، وقد قال الله تعالى [ ص: 155 ] إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وأجاز مالك الشهادة على الخط ، ونقل ابن شعبان عن ابن وهب أنه قال : لا آخذ بقول مالك في ذلك . وقال الطحاوي : خالف مالكا جميع الفقهاء في ذلك وعدوا قوله في ذلك شذوذا ، لأن الخط قد يشبه الخط ، وليست شهادة على قول منه ولا معاينة .

وقال محمد بن الحارث : الشهادة على الخط خطأ ، فقد قال مالك في رجل قال : سمعت فلانا يقول رأيت فلانا قتل فلانا أو طلق امرأته أو قذف : لا يشهد على شهادته إلا إن أشهده . قال : فالخط أبعد من هذا وأضعف ، قال : والشهادة على الخط في الحقيقة استشهاد الموتى ، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط ; لأن الناس قد أحدثوا ضروبا من الفجور . وقد قال مالك : يحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور . وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز فهذه أقوال الجماعة من أئمة المالكية توافق الجمهور . وقال أبو علي الكرابيسي في " كتاب أدب القضاء " له أجاز الشهادة على الخط قوم لا نظر لهم ، فإن الكتاب يشبهون الخط بالخط حتى يشكل ذلك على أعلمهم انتهى . وإذا كان هذا في ذلك العصر فكيف بمن جاء بعدهم وهم أكثر مسارعة إلى الشر ممن مضى وأدق نظرا فيه وأكثر هجوما عليه ، وأما الحكم الثاني فقال ابن بطال : اختلفوا في " كتب القضاة " فذهب الجمهور إلى الجواز ، واستثنى الحنفية الحدود ، وهو قول الشافعي ، والذي احتج به البخاري على الحنفية قوي لأنه لم يصر مالا إلا بعد ثبوت القتل قال : وما ذكره عن القضاة من التابعين من إجازة ذلك حجتهم فيه ظاهرة من الحديث ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدا على كتابه . قال : ثم أجمع فقهاء الأمصار على ما ذهب إليه سوار وابن أبي ليلى من اشتراط الشهود لما دخل الناس من الفساد فاحتيط للدماء والأموال .

وقد روى عبد الله بن نافع عن مالك قال : كان من أمر الناس القديم إجازة الخواتيم حتى أن القاضي ليكتب للرجل الكتاب ، فما يزيد على ختمه فيعمل به ، حتى اتهموا فصار لا يقبل إلا بشاهدين .

وأما الحكم الثالث فقال ابن بطال : اختلفوا إذا أشهد القاضي شاهدين على ما كتبه ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه ، فقال مالك : يجوز ذلك ، وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز لقوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا قال : وحجة مالك أن الحاكم إذا أقر أنه كتابه فالغرض من الشهادة عليه أن يعلم القاضي المكتوب إليه أن هذا " كتاب القاضي " إليه ، وقد يثبت عند القاضي من أمور الناس ما لا يجب أن يعلمه كل أحد كالوصية إذا ذكر الموصي ما فرط فيه مثلا . قال : وقد أجاز مالك أيضا أن يشهدا على الوصية المختومة وعلى الكتاب المطوي ، ويقولان للحاكم نشهد على إقراره بما في هذا الكتاب ، والحجة في ذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عماله من غير أن يقرأها على من حملها ; وهي مشتملة على الأحكام والسنن .

وقال الطحاوي : يستفاد من حديث أنس أن الكتاب إذا لم يكن مختوما فالحجة بما فيه قائمة لكونه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إليهم ، وإنما اتخذ الخاتم لقولهم إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوما ، فدل على أن " كتاب القاضي " حجة مختوما كان أو غير مختوم . واختلف في الحكم بالخط المجرد كأن يرى القاضي خطه بالحكم فيطلب منه المحكوم له العمل به ، فالأكثر ليس له أن يحكم حتى يتذكر الواقعة كما في الشاهد وهو قول الشافعي ; وقيل : إن كان المكتوب في حرز الحاكم أو الشاهد منذ حكم فيه أو تحمل إلى أن طلب منه الحكم أو الشهادة جاز ولو لم يتذكر وإلا فلا ، وقيل : إذا تيقن أنه خطه ساغ له الحكم والشهادة وإن لم يتذكر ، والأوسط أعدل المذاهب وهو قول أبي يوسف ومحمد ورواية عن أحمد رجحها كثير من أتباعه ، والأول قول [ ص: 156 ] مالك ورواية عن أحمد .

قال ابن المنير : لم يتعرض الشارح لمقصود الباب لأن البخاري استدل على الخط بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الروم ولقائل أن يقول : إن مضمون " الكتاب " دعاؤهم إلى الإسلام وذلك أمر قد اشتهر لثبوت المعجزة والقطع بصدقه فيما دعا إليه ، فلم يلزمهم بمجرد الخط فإنه عند القائل به إنما يفيد ظنا ، والإسلام لا يكتفى فيه بالظن إجماعا فدل على أن العلم حصل بمضمون الخط مقرونا بالتواتر السابق على الكتاب ، فكان الكتاب كالتذكرة والتوكيد في الإنذار ، مع أن حامل الكتاب قد يحتمل أن يكون اطلع على ما فيه وأمر بتبليغه .

والحق أن العمدة على أمره المعلوم مع قرائن الحال المصاحبة لحامل الكتاب ، ومسألة الشهادة على الخط مفروضة في الاكتفاء بمجرد الخط ، قال : والفرق بين الشهادة على الخط وبين " كتاب القاضي إلى القاضي " في أن القائل بالأول أقل من القائل بالثاني تطرق الاحتمال في الأول وندوره في الثاني لبعد احتمال التزوير على القاضي ولا سيما حيث تمكن المراجعة ، ولذلك شاع العمل به فيما بين القضاة ونوابهم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية