صفحة جزء
باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة

6997 حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد وهشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا
[ ص: 430 ] [ ص: 431 ] [ ص: 432 ] [ ص: 433 ] [ ص: 434 ] قوله : باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) كأنه يشير إلى ما أخرجه عبد بن حميد والترمذي والطبري وغيرهم وصححه الحاكم من طريق ثوير بن أبي فاختة " عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه ألف سنة ، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه ربه عز وجل في كل يوم مرتين " قال : ثم تلا وجوه يومئذ ناضرة قال بالبياض والصفاء إلى ربها ناظرة قال تنظر كل يوم في وجه الله ، لفظ الطبري من طريق مصعب بن المقدام عن إسرائيل عن ثوير ، وأخرجه عبد عن شبابة عن إسرائيل ولفظه : لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه ونعيمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله تعالى من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ، وكذا أخرجه الترمذي عن عبد ، وقال غريب ، رواه غير واحد عن إسرائيل مرفوعا ، ورواه عبد الملك بن أبجر عن ثوير عن ابن عمر موقوفا ، ورواه الثوري عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر موقوفا أيضا ، قال : ولا نعلم أحدا ذكر فيه مجاهدا غير الثوري بالعنعنة . قلت : أخرجه ابن مردويه من أربعة طرق عن إسرائيل عن ثوير قال " سمعت ابن عمر " ومن طريق عبد الملك بن أبجر عن ثوير مرفوعا ، وقال الحاكم بعد تخريجه : ثوير لم ينقم عليه إلا التشيع . قلت : لا أعلم أحدا صرح بتوثيقه ، بل أطبقوا على تضعيفه ، وقال ابن عدي : الضعف على أحاديثه بين وأقوى ما رأيت فيه قول أحمد بن حنبل فيه ، وفي ليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زيد : ما أقرب بعضهم من بعض ، وأخرج الطبري من طريق أبي الصهباء موقوفا نحو حديث ابن عمر ، وأخرج بسند صحيح إلى يزيد النحوي عن عكرمة في هذه الآية قال : " تنظر إلى ربها نظرا " وأخرج عن البخاري عن آدم عن مبارك عن الحسن قال : " تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنظر ، وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة : انظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينه من النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا - يعني في الجنة - ثم قال : لو جعل نور جميع الخلق في عيني عبد ثم كشف عن الشمس ستر واحد ودونها سبعون سترا ما قدر على أن ينظر إليها ، ونور الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، ونور العرش جزء من سبعين جزءا من نور الستر ، وإبراهيم فيه ضعف ، وقد أخرج عبد بن حميد عن عكرمة من وجه آخر إنكار الرؤية ، ويمكن الجمع بالحمل على غير أهل الجنة ، وأخرج بسند صحيح عن مجاهد : ناظرة تنظر الثواب ، وعن أبي صالح نحوه ، وأورد الطبري الاختلاف فقال الأولى عندي بالصواب ما ذكرناه عن الحسن البصري وعكرمة وهو ثبوت الرؤية لموافقته الأحاديث الصحيحة ، وبالغ ابن عبد البر في رد الذي نقل عن مجاهد وقال هو شذوذ ، وقد تمسك به بعض المعتزلة وتمسكوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سؤال جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان ، وفيه أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال بعضهم فيه إشارة إلى انتفاء الرؤية ، وتعقب بأن المنفي فيه رؤيته في الدنيا ؛ لأن العبادة خاصة بها ، فلو قال قائل إن فيه إشارة إلى جواز الرؤية في الآخرة لما أبعد ، وزعمت طائفة من المتكلمين كالسالمية من أهل البصرة أن في الخبر دليلا على أن الكفار يرون الله في القيامة من عموم اللقاء والخطاب ، وقال بعضهم يراه بعض دون بعض ، واحتجوا بحديث أبي سعيد حيث جاء فيه أن الكفار يتساقطون في النار إذا قيل لهم ألا تردون ، ويبقى المؤمنون ، وفيهم المنافقون فيرونه لما ينصب الجسر ويتبعونه ، ويعطي كل إنسان منهم نوره ثم يطفأ نور المنافقين ، وأجابوا عن قوله إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون أنه بعد دخول الجنة وهو احتجاج مردود ، فإن بعد هذه الآية ثم إنهم لصالو الجحيم فدل على أن الحجب وقع قبل ذلك ، [ ص: 435 ] وأجاب بعضهم بأن الحجب يقع عند إطفاء النور ، ولا يلزم من كونه يتجلى للمؤمنين ومن معهم ممن أدخل نفسه فيهم أن تعمهم الرؤية ؛ لأنه أعلم بهم ، فينعم على المؤمنين برؤيته دون المنافقين كما يمنعهم من السجود ، والعلم عند الله تعالى . قال البيهقي : وجه الدليل من الآية أن لفظ " ناضرة " : الأول بالضاد المعجمة الساقطة من النضرة بمعنى السرور ، ولفظ " ناظرة " بالظاء المعجمة المشالة يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء : نظر التفكر والاعتبار كقوله تعالىأفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ونظر الانتظار كقوله تعالى ما ينظرون إلا صيحة واحدة ونظر التعطف والرحمة كقوله تعالى ولا ينظر إليهم ونظر الرؤية كقوله تعالى ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت والثلاثة الأول غير مرادة ، وأما الأول ؛ فلأن الآخرة ليست بدار استدلال ، وأما الثاني : فلأن في الانتظار تنغيصا وتكديرا ، والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة ، وأهل الجنة لا ينتظرون شيئا ؛ لأنه مهما خطر لهم أتوا به ، وأما الثالث فلا يجوز ؛ لأن المخلوق لا يتعطف على خالقه ، فلم يبق إلا نظر الرؤية ، وانضم إلى ذلك أن النظر إذا ذكر مع الوجه انصرف للعينين اللتين في الوجه ؛ ولأنه هو الذي يتعدى بإلى كقوله تعالى ينظرون إليك وإذا ثبت أن " ناظرة " هنا بمعنى رائية اندفع قول من زعم أن المعنى ناظرة إلى ثواب ربها ؛ لأن الأصل عدم التقدير وأيد منطوق الآية " في حق المؤمنين " بمفهوم الآية الأخرى " في حق الكافرين " أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، وقيدها بالقيامة في الآيتين إشارة إلى أن الرؤية تحصل للمؤمنين في الآخرة دون الدنيا انتهى . ملخصا موضحا . وقد أخرج أبو العباس السراج في تاريخه عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وهو من شيوخ البخاري ، سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول : سمعت مالك بن أنس ، وقيل له يا أبا عبد الله قول الله تعالى إلى ربها ناظرة يقول قوم إلى ثوابه ، فقال كذبوا فأين هم عن قوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ومن حيث النظر أن كل موجود يصح أن يرى ، وهذا على سبيل التنزل وإلا فصفات الخالق لا تقاس على صفات المخلوقين ، وأدلة السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل الإيمان دون غيرهم ، ومنع ذلك في الدنيا إلا أنه اختلف في نبينا صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من الفرق بين الدنيا والآخرة أن أبصار أهل الدنيا فانية وأبصارهم في الآخرة باقية جيد ، ولكن لا يمنع تخصيص ذلك بمن ثبت وقوعه له ، ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة والله منزه عن الجهة ، واتفقوا على أنه يرى عباده ، فهو راء لا من جهة ، واختلف من أثبت الرؤية في معناها فقال قوم : يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات ، وهو على وفق قوله في حديث الباب " كما ترون القمر " إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية ، وذلك أمر زائد على العلم وقال بعضهم : إن المراد بالرؤية العلم وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات ، وقال بعضهم رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم ، إلا أنه أتم وأوضح من العلم وهذا أقرب إلى الصواب من الأول ، وتعقب الأول بأنه حينئذ لا اختصاص لبعض دون بعض ؛ لأن العلم لا يتفاوت ، وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين تقول : رأيت زيدا فقيها أي علمته ، فإن قلت رأيت زيدا منطلقا لم يفهم منه إلا رؤية البصر ، ويزيده تحقيقا قوله في الخبر إنكم سترون ربكم عيانا لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم ، وقال ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة ، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان ، وأولوا قوله ناظرة بمنتظرة وهو خطأ ؛ لأنه لا يتعدى بإلى ، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال : وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود ، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي . قال : وتعلقوا بقوله تعالى لا تدركه الأبصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني والجواب عن الأول : أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين ، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية [ ص: 436 ] الشيء من غير إحاطة بحقيقته ، وعن الثاني : المراد لن تراني في الدنيا جمعا أيضا ؛ ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية ، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف ، وقال القرطبي : اشترط النفاة في الرؤية شروطا عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم ، وأهل السنة لا يشترطون شيئا من ذلك سوى وجود المرئي ، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى . ثم ذكر المؤلف في الباب أحد عشر حديثا .

الحديث الأول : حديث جرير ذكره مطولا ومختصرا من ثلاثة أوجه .

قوله : خالد أو هشيم ) كذا في نسخة من رواية أبي ذر عن المستملي بالشك وفي أخرى بالواو وكذا للباقين .

قوله : عن إسماعيل ) هو ابن أبي خالد .

قوله : عن قيس ) هو ابن أبي حازم ونسب في رواية مروان بن معاوية عن إسماعيل المشار إليها .

قوله : عن جرير ) في رواية مروان المذكورة " وسمعت جرير بن عبد الله " وفي رواية بيان في الباب عن قيس " حدثنا جرير " .

قوله : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ) في رواية جرير عن إسماعيل في تفسير سورة ق " كنا جلوسا ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

قوله : ليلة البدر ) في رواية إسحاق " ليلة أربع عشرة " ووقع في رواية بيان المذكورة : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال " ويجمع بينهما بأن القول لهم صدر منه بعد أن جلسوا عنده .

قوله ( إنكم سترون ربكم ) في رواية عبد الله بن نمير وأبي أسامة ووكيع عن إسماعيل عند مسلم إنكم ستعرضون على ربكم فترونه وفي رواية أبي شهاب إنكم سترون ربكم عيانا هكذا اقتصر أبو شهاب على هذا القدر من الحديث للأكثر ووقع في رواية المستملي في أوله " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر فقال " وأخرجه الإسماعيلي من طريق خلف بن هشام عن أبي شهاب كالأكثر ، ومن طريق محمد بن زياد البلدي عن أبي شهاب مطولا ، واسم " أبي شهاب " هذا عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون ، واسم الراوي عنه عاصم بن يوسف كان خياطا بالخاء المعجمة والتحتانية ، قال الطبري : تفرد أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد بقوله " عيانا " وهو حافظ متقن من ثقات المسلمين انتهى . وذكر شيخ الإسلام الهروي في كتابه الفاروق أن زيد بن أبي أنيسة رواه أيضا عن إسماعيل بهذا اللفظ وساقه من رواية " أكثر من ستين نفسا " عن إسماعيل بلفظ واحد كالأول .

قوله : لا تضامون ) بضم أوله وتخفيف الميم للأكثر وفيه روايات أخرى تقدم بيانها في باب الصراط جسر جهنم من " كتاب الرقاق ، وقال البيهقي : سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله " لا تضامون في رؤيته " بالضم والتشديد معناه : لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض ، ومعناه بفتح التاء كذلك والأصل لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة وبالتخفيف من الضيم ، ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر [ ص: 437 ] للرؤية دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية