صفحة جزء
باب كلام الرب مع أهل الجنة

7080 حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب قال حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
قوله ( باب كلام الرب مع أهل الجنة ) أي بعد دخولهم الجنة ذكر فيه حديثين ظاهرين فيما ترجم له .

أحدهما : حديث أبي سعيد " أن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة " الحديث ، وفيه فيقول : أحل عليكم رضواني ، وقد تقدم شرحه في أواخر " كتاب الرقاق " في باب صفة الجنة والنار ، قال ابن بطال : استشكل بعضهم هذا ؛ لأنه يوهم أن له أن يسخط على أهل الجنة وهو خلاف ظواهر القرآن ، كقوله خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وأجاب بأن إخراج العباد من العدم إلى الوجود من تفضله وإحسانه ، وكذلك تنجيز ما وعدهم به من الجنة والنعيم من تفضله وإحسانه ، وأما دوام ذلك فزيادة من فضله على المجازاة لو كانت لازمة ، ومعاذ الله أن يجب عليه شيء فلما كانت المجازاة لا تزيد في العادة على المدة [ ص: 497 ] - ومدة الدنيا متناهية جاز أن تتناهى مدة المجازاة فتفضل عليهم بالدوام فارتفع الإشكال جملة انتهى . ملخصا ، وقال غيره : ظاهر الحديث أن الرضا أفضل من اللقاء وهو مشكل وأجيب بأنه ليس في الخبر أن الرضا أفضل من كل شيء وإنما فيه أن الرضا أفضل من العطاء ، وعلى تقدير التسليم فاللقاء مستلزم للرضا فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم ، كذا نقل الكرماني ، ويحتمل أن يقال : المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء فلا إشكال ، قال الشيخ أبو محمد بن أبي حمزة : في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه ، وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنة ملك الله عز وجل ، وقد أضافها لساكنها بقوله يا أهل الجنة ، قال : والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرا من باب علم اليقين ، فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين ، وإليه الإشارة بقوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال : ويستفاد من هذا أنه لا ينبغي أن يخاطب أحد بشيء حتى يكون عنده ما يستدل به عليه ولو على بعضه ، وكذا ينبغي للمرء أن لا يأخذ من الأمور إلا قدر ما يحمله ، وفيه الأدب في السؤال لقولهم : وأي شيء أفضل من ذلك ؛ لأنهم لم يعلموا شيئا أفضل مما هم فيه فاستفهموا عما لا علم لهم به ، وفيه أن الخير كله والفضل والاغتباط إنما هو في رضا الله سبحانه وتعالى ، وكل شيء ما عداه وإن اختلفت أنواعه فهو من أثره ، وفيه دليل على رضا كل من أهل الجنة بحاله مع اختلاف منازلهم وتنويع درجاتهم ؛ لأن الكل أجابوا بلفظ واحد وهو " أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك " وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية