صفحة جزء
باب قول الله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته وقال الزهري من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم وقال الله تعالى ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وقال تعالى أبلغكم رسالات ربي وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وقالت عائشة إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد وقال معمر ذلك الكتاب هذا القرآن هدى للمتقين بيان ودلالة كقوله تعالى ذلكم حكم الله هذا حكم الله لا ريب لا شك تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم يعني بكم وقال أنس بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاله حراما إلى قومه وقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم

7092 حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا المعتمر بن سليمان حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير بن حية عن جبير بن حية قال المغيرة أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة
قوله : باب قول الله عز وجل يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) [ ص: 513 ] كذا للجميع وظاهره اتحاد الشرط والجزاء ؛ لأن معنى " إن لم تفعل : لم تبلغ " لكن المراد من الجزاء لازمه فهو كحديث ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه واختلف في المراد بهذا الأمر ، فقيل المراد بلغ كما أنزل ، وهو على ما فهمت عائشة وغيرها ، وقيل المراد بلغه ظاهرا ولا تخش من أحد ؛ فإن الله يعصمك من الناس ، والثاني أخص من الأول وعلى هذا لا يتحد الشرط والجزاء لكن الأولى قول الأكثر لظهور العموم في قوله تعالى ما أنزل والأمر للوجوب فيجب عليه تبليغ كل ما أنزل إليه والله أعلم ، ورجح الأخير ابن التين ونسبه لأكثر أهل اللغة ، وقد احتج أحمد بن حنبل بهذه الآية على أن القرآن غير مخلوق ؛ لأنه لم يرد في شيء من القرآن ولا من الأحاديث أنه مخلوق ولا ما يدل على أنه مخلوق ، ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال : : لو كان ما يقول الجعد حقا لبلغه النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله : وقال الزهري : من الله الرسالة وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ وعلينا التسليم ) هذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب ، قال الحميدي : حدثنا سفيان قال : قال رجل للزهري يا أبا بكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من شق الجيوب ما معناه فقال الزهري : من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم ، وهذا الرجل هو الأوزاعي أخرجه ابن أبي عاصم في " كتاب الأدب " وذكر ابن أبي الدنيا عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال " قلت للزهري " فذكره .

قوله ( وقال الله تعالى ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وقال أبلغكم رسالات ربي ) قال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بعد أن ساق قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ الآية ، قال : فذكر تبليغ ما أنزل إليه ثم وصف فعل تبليغ الرسالة فقال : وإن لم تفعل فما بلغت ، قال : فسمى تبليغه الرسالة وتركه فعلا ولا يمكن أحدا أن يقول إن الرسول لم يفعل ما أمر به من تبليغ الرسالة ، يعني : فإذا بلغ فقد فعل ما أمر به وتلاوته ما أنزل إليه هو التبليغ وهو فعله ، وذكر حديث أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر القصة وفيها قال : أتتني رسالة من ربي فضقت بها ذرعا ورأيت أن الناس سيكذبونني فقيل لي : لتفعلن أو ليفعلن بك ، وأصله في السنن وصححه ابن حبان والحاكم وحديث سمرة بن جندب في قصة الكسوف ، وفيه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : إنما أنا بشر رسول فأذكركم بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن تبليغ شيء من رسالات ربي يعني فقولوا - فقالوا نشهد أنك بلغت رسالات ربك وقضيت الذي عليك ، وأصله في السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وقال في الكتاب المذكور أيضا قوله تعالى بلغ ما أنزل إليك من ربك هو مما أمر به ، وكذلك أقيموا الصلاة ، والصلاة بجملتها طاعة الله وقراءة القرآن من جملة الصلاة ، فالصلاة طاعة والأمر بها قرآن ، وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور مقروء على الألسنة فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة والمقروء والمحفوظ والمكتوب ليس بمخلوق ، ومن الدليل عليه أنك تكتب الله وتحفظه وتدعوه فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق والله هو الخالق .

قوله ( وقال كعب بن مالك حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) قد تقدم هذا مسندا في تفسير " براءة في حديثه الطويل وفي آخره قال الله تعالى يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله الآية قال الكرماني : ومناسبته للترجمة من جهة التفريض والانقياد والتسليم ، ولا ينبغي لأحد أن يزكي عمله بل يفوض إلى الله سبحانه وتعالى . قلت : ومراد البخاري تسمية ذلك عملا كما تقدم من كلامه في الذي قبله .

[ ص: 514 ] قوله : وقالت عائشة إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد ) قلت : زعم مغلطاي أن عبد الله بن المبارك أخرج هذا الأثر في كتاب البر والصلة عن سفيان عن معاوية بن إسحاق عن عروة عن عائشة وقد وهم في ذلك ، وإنما وقع هذا في قصة ذكرها البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من رواية عقيل عن ابن شهاب عن عروة ، عن عائشة قالت : وذكرت الذي كان من شأن عثمان : وددت أني كنت نسيا منسيا فوالله ما أحببت أن ينتهك من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله حتى والله لو أحببت قتله لقتلت ، يا عبيد الله بن عدي لا يغرنك أحد بعد الذين تعلم فوالله ما احتقرت من أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا في عثمان فقالوا قولا لا يحسن مثله وقرءوا قراءة لا يحسن مثلها وصلوا صلاة لا يصلى مثلها فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد " وأخرجه ابن أبي حاتم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني عروة أن عائشة كانت تقول : احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القراء الذين طعنوا على عثمان فذكر نحوه وفيه " فوالله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعجبك حسن عمل امرئ منهم فقل اعملوا إلخ " والمراد بالقراء المذكورين الذين قاموا على عثمان وأنكروا عليه أشياء اعتذر عن فعلها ، ثم كانوا مع علي ثم خرجوا بعد ذلك على علي ، وقد تقدمت أخبارهم مفصلة في " كتاب الفتن ، ودل سياق القصة على أن المراد بالعمل ما أشارت إليه من القراءة والصلاة وغيرهما فسمت كل ذلك عملا ، وقولها في آخره " ولا يستخفنك أحد " بالخاء المعجمة المكسورة والفاء المفتوحة والنون الثقيلة للتأكيد ، قال ابن التين عن الداودي معناه : لا تغتر بمدح أحد وحاسب نفسك ، والصواب ما قاله غيره أن المعنى لا يغرنك أحد بعمله فتظن به الخير إلا إن رأيته واقفا عند حدود الشريعة .

قوله : قال معمر ذلك الكتاب ، هذا القرآن : هدى للمتقين : بيان ودلالة كقوله : ذلكم حكم الله هذا حكم الله ، لا ريب فيه : لا شك ، تلك آيات الله ، يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ، يعني بكم ) ، " معمر " هذا هو ابن المثنى اللغوي أبو عبيدة وهذا المنقول عنه ذكره في كتاب مجاز القرآن ووهم من قال إنه معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق ، وقد اغتر مغلطاي بذلك فزعم أن عبد الرزاق أخرج ذلك في تفسيره عن معمر ، وليس ذلك في شيء من نسخ تفسير عبد الرزاق ولفظ أبي عبيدة " ذلك الكتاب " معناه هذا القرآن ، قال وقد تخاطب العرب الشاهد بمخاطبة الغائب ، وقد أنكر ثعلب هذه المقالة وقال : استعمال أحد اللفظين موضع الآخر يقلب المعنى ، وإنما المراد هذا القرآن هو ذلك الذي كانوا يستفتحون به عليكم ، وقال الكسائي : لما كان القول والرسالة من السماء والكتاب والرسول في الأرض قيل ذلك يا محمد ، وقال الفراء : هو كقولك للرجل وهو يحدثك : وذلك والله الحق ، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب ، وإنما المعنى ذلك الذي سمعت به ، واستشهد أبو عبيدة بقوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة فلما جاز أن يخبر بضميرين مختلفين ضمير المخاطب للحاضر وضمير الغيبة عن الغائب في قصة واحدة فكذلك يجوز أن يخبر عن ضمير القريب بضمير البعيد وهو صنيع مشهور في كلام العرب يسميه أصحاب المعاني الالتفات ، وقيل الحكمة في هذا هنا أن كل من خوطب يجوز أن يركب الفلك لكن لما كان في العادة أن لا يركبها إلا الأقل وقع الخطاب أولا للجميع ثم عدل إلى الإخبار عن البعض الذين من شأنهم الركوب ، وقال أيضا لا ريب [ ص: 515 ] فيه : لا شك فيه ، هدى للمتقين : أي بيان للمتقين ، ومناسبة هذه الآية لما تقدم من جهة أن الهداية نوع من التبليغ ، وقال في تفسير سورة أخرى تلك آيات " هذه آيات وقال في تفسير سورة أخرى الآيات : الأعلام وهذا قد تقدم في تفسير سورة يونس التنبيه عليه ، وأما قوله " ومثله حتى إذا كنتم " فمراده أنه نظير استعمال ذلك موضع هذا ، فلما ساغ استعمال ما هو للبعيد للقريب جاز استعمال ما هو للغائب للحاضر ، ولفظ " مثله " بكسر الميم وسكون المثلثة ، وضبطه بعضهم بضم الميم والمثلثة واللام وهو بعيد ، والأول هو الموجود في كتاب أبي عبيدة قاله في مقدمة كتابه المذكور ؛ فإنه قال : ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم حول إلى مخاطبة الغائب قوله تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم أي بكم ، ثم ذكر فيه أربعة أحاديث .

الحديث الأول : قوله ( وقال أنس : بعث النبي صلى الله عليه وسلم خاله حراما إلى قوم وقال أتؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم ) هذا طرف من حديث وصله المؤلف في الجهاد من طريق همام عن إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين راكبا فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا كنتم قريبا مني ، فتقدم فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر القصة ولفظه في المغازي عن أنس فانطلق حرام أخو أم سليم فذكره ، وفيه " وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنونني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومئوا إلى رجل منهم فأتاه فطعنه من خلفه " الحديث ، وسياقه في المغازي أقرب إلى اللفظ المعلق هنا ، وفي السياق حذف تقديره بعد قوله أتيتم أصحابكم ، فأتى المشركين فقال أتؤمنونني .

الحديث الثاني : قوله : حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي ) كذا للأكثر ، ووقع في رواية القابسي " عن أبي زيد سعيد بن عبد الله " بفتح العين وسكون الموحدة قال أبو علي الجياني وكذا كان في نسخة أبي محمد الأصيلي إلا أنه أصلحه " عبيد الله " بالتصغير وقال هو سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية .

قوله : عن جبير بن حية ) بمهملة وتحتانية ثقيلة و " جبير " هو والد زياد بن جبير الراوي عنه .

قوله : قال المغيرة ) هو ابن شعبة .

قوله ( أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة ) هذا القدر هو المرفوع من الحديث ، وقد مضى بطوله وشواهده في " كتاب الجزية " وبيان الاختلاف في ضبط المعتمر بن سليمان المذكور في سنده بما أغنى عن إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية