صفحة جزء
باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها لقول الله تعالى فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الآية

7103 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الآية
[ ص: 526 ] قوله : باب ما يجوز من تفسير التوراة وكتب الله ) كذا لأبي ذر ولغيره " من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله تعالى " وكل منهما من عطف العام على الخاص ؛ لأن التوراة من كتب الله .

قوله : بالعربية وغيرها ) أي من اللغات ، في رواية الكشميهني " بالعبرانية وغيرها " ولكل وجه ، والحاصل أن الذي بالعربية مثلا يجوز التعبير عنه بالعبرانية وبالعكس ، وهل يتقيد الجواز بمن لا يفقه ذلك اللسان أو لا الأول قول الأكثر .

قوله ( لقول الله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) وجه الدلالة أن التوراة بالعبرانية ، وقد أمر الله تعالى أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية فقضية ذلك الإذن في التعبير عنها بالعربية ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث .

الحديث الأول : قوله : وقال ابن عباس أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه ) في رواية الكشميهني " بترجمانه " ( ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل ، و ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) هذا طرف من الحديث الطويل الذي تقدم موصولا في بدء الوحي وفي عدة مواضع ، وتقدم شرحه في أول الكتاب وفي تفسير سورة آل عمران ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل باللسان العربي ، ولسان هرقل رومي ، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه ، والمترجم المذكور هو الترجمان وكذا وقع ، واستدل البخاري في كتاب خلق أفعال العباد بقصة هرقل لمطلوبه أن القراءة فعل القارئ فقال قد كتب النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى قيصر : بسم الله الرحمن الرحيم وقرأه ترجمان قيصر على قيصر وأصحابه ، ولا يشك في قراءة الكفار أنها أعمالهم ، وأما المقروء فهو كلام الله تعالى ليس بمخلوق ومن حلف بأصوات الكفار ونداء المشركين لم يكن عليه يمين ، بخلاف ما لو حلف بالقرآن .

الحديث الثاني : حديث أبي هريرة " حدثنا محمد بن بشار " ذكره بهذا الإسناد في تفسير البقرة ، وفي باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء من " كتاب الاعتصام " وهنا وهو من نوادر ما وقع له فإنه لا يكاد يخرج الحديث في مكانين فضلا عن ثلاثة بسياق واحد بل يتصرف في المتن بالاختصار والاقتصار وبالتمام ، وفي السند بالوصل والتعليق من جميع أوجهه ، وفي الرواة بسياقه عن راو غير الآخر فبحسب ذلك لا يكون مكررا على الإطلاق ويندر له ما وقع هنا وإنما وقع ذلك غالبا حيث يكون المتن قصيرا والسند فردا ، وقد سبق الكلام على بعضه في تفسير سورة البقرة قال ابن بطال : استدل بهذا الحديث من قال تجوز قراءة القرآن بالفارسية ، وأيد ذلك بأن الله تعالى حكى قول الأنبياء عليهم السلام كنوح عليه السلام وغيره ممن ليس عربيا بلسان القرآن وهو عربي مبين وبقوله تعالى لأنذركم به ومن بلغ والإنذار إنما يكون بما يفهمونه من لسانهم ، فقراءة أهل كل لغة بلسانهم حتى يقع لهم الإنذار به ، قال : وأجاب من منع بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما نطقوا إلا بما حكى الله عنهم في القرآن سلمنا ، ولكن يجوز أن يحكي الله قولهم بلسان العرب ثم يتعبدنا بتلاوته على ما أنزله ، ثم نقل الاختلاف في إجزاء صلاة من قرأ فيها بالفارسي ومن أجاز ذلك عند العجز دون الإمكان وعمم وأطال في [ ص: 527 ] ذلك ، والذي يظهر التفصيل فإن كان القارئ قادرا على التلاوة باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه ولا تجزئ صلاته وإن كان عاجزا وإن كان خارج الصلاة فلا يمتنع عليه القراءة بلسانه ؛ لأنه معذور وبه حاجة إلى حفظ ما يجب عليه فعلا وتركا وإن كان داخل الصلاة فقد جعل الشارع له بدلا وهو الذكر وكل كلمة من الذكر لا يعجز عن النطق بها من ليس بعربي فيقولها ويكررها فتجزئ عن الذي يجب عليه قراءته في الصلاة حتى يتعلم ، وعلى هذا فمن دخل في الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه ، وأما الاستدلال لهذه المسألة بهذا الحديث وهو قوله : إذا حدثكم أهل الكتاب " فهو وإن كان ظاهره أن ذلك بلسانهم فيحتمل أن يكون بلسان العرب فلا يكون نصا في الدلالة ، ثم المراد بإيراد هذا الحديث في هذا الباب ليس ما تشاغل به ابن بطال وإنما المراد منه كما قال البيهقي فيه دليل على أن أهل الكتاب إن صدقوا فيما فسروا من كتابهم بالعربية كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات ، فبأي لسان قرئ فهو كلام الله ، ثم أسند عن مجاهد في قوله تعالى لأنذركم به ومن بلغ يعني ومن أسلم من العجم وغيرهم ، قال البيهقي وقد يكون لا يعرف العربية فإذا بلغه معناه بلسانه فهو له نذير ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية في أول الباب الذي قبل هذا بثلاثة أبواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية